اخبار المغربسياسةمستجدات

مجلة فرنسية تعليقا على خطاب عيد العرش: المغرب يواصل التموقع كفاعل إقليمي مستقر يعتمد على دبلوماسية متوازنة ومنفتحة

الخط :
إستمع للمقال

خصصت المجلة الفرنسية الأسبوعية (Le Point) مقالا تحليليا مطولا للحديث عن خطاب العرش الأخير للملك محمد السادس، مبرزة أن العاهل المغربي استغل المناسبة السنوية ليجدد دعوته إلى الحوار مع الجزائر، في خطوة وُصفت بأنها إشارة دبلوماسية واضحة رغم الجمود القائم منذ قطع العلاقات الثنائية في 2021.

وأشارت المجلة إلى أن الملك محمد السادس خاطب “إخوانه في الجزائر”، مؤكدا أن تمسكه الدائم بسياسة اليد الممدودة نابع من قناعة راسخة بوحدة الشعوب المغاربية، وهو ما وصفته المجلة بأنه تصريح بالغ الدلالة في سياق إقليمي متوتر، عشية استحقاقات انتخابية كبيرة في الجارة الشرقية.

ورغم تمسك الجزائر بموقفها القائم على القطيعة، ومع استمرار حالة البرود في العلاقات الفرنسية الجزائرية، لفتت المجلة إلى أن الرباط ظلت وفية لخطها الاستراتيجي الداعي للحوار، دون تقديم تنازلات بخصوص قضية الصحراء. وأضافت أن الملك محمد السادس تبنى في خطابه موقفا يجمع بين الصرامة والانفتاح، مؤكدا على ضرورة التوصل إلى “حل دون غالب أو مغلوب”، في رسالة موجهة إلى الجيران وأيضا إلى الحلفاء الغربيين، في وقت يواصل فيه مخطط الحكم الذاتي المغربي كسب مزيد من الدعم الدولي.

واعتبرت ذات المجلة أن المغرب لا يسعى لاستغلال الأزمة بين باريس والجزائر، بل يسير وفق أجندته الدبلوماسية الخاصة. وفي لحظة مشحونة بالرمزية، اختار الملك محمد السادس مرة أخرى أن يمد يده، حتى في غياب تجاوب من الطرف الآخر، كأنما يريد التأكيد أن المبادرة المغاربية لن تأتي لا من باريس ولا من الجزائر، بل من الرباط.

وفي مقابل القطيعة المغربية الجزائرية، تحدثت المجلة الفرنسية عن تحسن ملحوظ في العلاقات بين الرباط وباريس، واصفة الوضع الحالي بـ”شهر عسل دبلوماسي”، وذلك في تناقض واضح مع الجمود الإقليمي. فقد تعززت العلاقات بين العاصمتين منذ خريف 2023، لتتطور إلى شراكة معلنة في 2024، بحسب تعبير المجلة.

وسجلت المجلة الفرنسية أن المبادرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 يوليوز 2024، ساهمت في ترميم الثقة السياسية بين البلدين، خاصة أن فرنسا، كعضو دائم بمجلس الأمن، تدرك جيدا الخطوط الحمراء المغربية بخصوص ملف الصحراء.

كما أبرزت المجلة أن زيارة رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية، ريمي ريو، إلى العيون في ماي 2025، وإعلانه استثمار 150 مليون يورو في الأقاليم الجنوبية، شكل دعما صريحا لمقترح الحكم الذاتي المغربي. ورغم أن هذا الدعم لقي ترحيبا في الرباط، إلا أنه لم يساهم في تخفيف التوتر مع الجزائر.

وأضافت ذات المجلة أن التعاون المغربي الفرنسي في مجالات الهجرة والأمن عاد إلى مستواه الطبيعي، ووصفت التعاون الأمني بين البلدين بأنه “واقع عملياتي”، توج بعقود من التنسيق. كما يواكب الفاعلون الاقتصاديون الفرنسيون الدينامية التنموية للمملكة، من خلال مشاريع استراتيجية كتحلية المياه، وتوسعة مصانع السيارات، وتطوير شبكة القطار فائق السرعة.

وتوقعت المجلة أن تكون سنة 2025 مفصلية في هذه الشراكة، مشيرة إلى أن اللجنة العليا المشتركة المغربية الفرنسية، المجمدة منذ 2019، ستُعقد في الخريف المقبل، لتقييم 41 اتفاقية وُقعت خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس ماكرون في أكتوبر 2024. كما لم تستبعد تنظيم زيارة رسمية للعاهل المغربي إلى باريس قبل نهاية السنة، بدعوة من الرئيس الفرنسي.

في المقابل، أشارت المجلة إلى أن اليد المغربية الممدودة تجاه الجزائر ظلت دون صدى. فمنذ 2021، ظل الملك محمد السادس يكرر نفس الدعوة سنويا، لكن القناة الثنائية لا تزال مغلقة، ولا يوجد سفير جزائري معتمد لدى الرباط. واعتبرت المجلة أن الجزائر تتمسك بخط متشدد تغذيه علاقتها الوطيدة بجبهة البوليساريو الانفصالية.

وذكّرت بأن التوتر اتخذ أشكالا أخرى مؤخرا، حيث تعرّضت مؤسسات مغربية في أبريل 2025 لهجمات سيبرانية خطيرة، استهدفت خصوصا قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتسببت في تسريب بيانات أكثر من مليوني مواطن عبر منصة “تلغرام”، وهو ما وصفته الرباط بأنه “جريمة إلكترونية بدوافع جيوسياسية”، خاصة أن الهجوم تزامن مع إعلان واشنطن تجديد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء.

وأعادت المجلة الفرنسية التأكيد على أن قضية الصحراء تشكل جوهر الخلاف بين البلدين. فبينما يسيطر المغرب على صحرائه، تواصل الجزائر دعمها التاريخي للبوليساريو، التي تطالب بإجراء استفتاء لم يتحقق منذ اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991.

وفي خطاب العرش لهذه السنة، جدد الملك محمد السادس التأكيد على ثوابت الموقف المغربي، الداعي إلى حل سياسي دائم تحت السيادة المغربية، في إطار مقترح الحكم الذاتي. ونقلت المجلة الفرنسية أن 116 دولة عبر العالم تدعم هذا المقترح، أي أكثر من 60% من أعضاء الأمم المتحدة، بينما لا تعترف 85% من الدول بما يُسمى “الجمهورية الصحراوية”، وقد جدد 30 بلدا، من ضمنها 22 من الاتحاد الأوروبي و6 من دول مجلس التعاون الخليجي، تأييدهم لمغربية الصحراء.

وسجلت المجلة أن دعم أوروبا لموقف المغرب آخذ في التوسع، بعد أن أعلنت دول كإسبانيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، صراحة دعمها لخيار الحكم الذاتي. ومؤخرا، اعتبر وزير الخارجية البرتغالي، خلال لقاء جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة في لشبونة، أن الخطة المغربية “جدية وذات مصداقية وبناءة”.

وختمت المجلة الفرنسية بأن المغرب يواصل التموقع كفاعل إقليمي مستقر، يعتمد على دبلوماسية متوازنة ومنفتحة، تزداد حضورا في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، وتراهن على كسب المزيد من الشركاء في معركة الاعتراف الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى