الأخبارمستجداتملف الأسبوع

ملف الأسبوع: الطرق الصوفية بجهات المغرب.. بُعد الانتماء وتجليات التنوع

الخط :
إستمع للمقال

يعكس تواجد عشرات الأضرحة والزوايا في مختلف القرى والحواضر المغربية، مدى ارتباط ساكنة المملكة بالفكر الصوفي، وذلك بسبب الارتباط الوثيق بين هذه الزوايا والطرق الصوفية التي تميزها، هذا بالإضافة إلى كون الشيوخ المتصوفين ومريدي الزوايا الدينية، يتمتعون بمكانة عالية وسط سكان القبائل أو الحواضر التي تقع فيها زواياهم.

انتشار الزوايا بكافة ربوع المملكة يمكن تفسيره بانتشار عشرات مريدي وشيوخ الطرق الصوفية التي ظهرت بالمغرب في أوقات مختلفة من التاريخ الإسلامي بالمغرب، حيث كان عمل هؤلاء الشيوخ والمريدين يرتكز على تعبئة الناس جماعات وفرادى لبلوغ أعلى درجات الإيمان من خلال طرق روحانية تعتمد على الابتهال والامداح .

ما يميز الطرق الصوفية بالمغرب هو تنوعها من منطقة إلى أخرى، لاعتبارات عديدة تتعلق أساسا باللغة والغاية التي أسست من أجلها هذه الزوايا، إلا أن جل هذه الطرق لا تختلف كثيرا في جوهرها وتكاد أحيانا تنحدر من نفس الزاوية رغم بعد المسافة بمئات الكيلومترات عن مكان تواجد أصل هذه الزاوية وشيخها.

الدكتور جحاح محمد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، يعتبر بأنه “لا يمكن التمييز بين أنماط التصوف واختلافها من منطقة إلى أخرى في المغرب، غير أنه يمكن التمييز بينها حسب بعض دراسات علم الإجماع بتقسيمها إلى قسمين؛ تصوف علمي يرتكز على أسس وضوابط دينية يتميز به علماء الدين والفقهاء، وتصوف شعبي يميز عامة الناس ويكرس أحيانا بعض التقاليد والعادات المبنية على مفاهيم سطحية للدين بالإضافة إلى ارتباط هذا النوع من التصوف بالسحر والشعوذة.

ويوضح الدكتور جحاح في تصريح لـ”برلمان.كوم” أن “هناك بعض جهات المملكة تميزت بنوع محدد من التصوف الديني، فعلى سبيل المثال ارتكزت الطرق الصوفية البودشيشية بجهة الشرق، وذلك لامتدادها بالجارة الجزائر، فيما عرفت بعض الجهات الأخرى التي كانت بمثابة حصون للمملكة من التهديدات الاستعمارية البرتغالية والإسبانية كما هو الحال للمناطق الجبلية والأخرى المطلة على المحيط الأطلسي، انتشارا واسعا للزاوية الخمليشية التي كانت تدعوا ساكنة هذه المناطق إلى التعبئة للجهاد في سبيل الله وحماية البلاد من هجمات المستعمر”.

ويشدد الدكتور جحاح على أن “أصل ظهور الطرق الصوفية بالمغرب، وتاريخها يمكن ربطه بظهور الطريقة الجازولية خلال القرن 16، نسبة لشيخها محمد بن سليمان الجازولي، حيث قام بمغربة مفهوم التصوف الذي عرف انتشارا واسعا في دول المشرق، كما ساهمت هذه الطريقة بشكل كبير في محو مفهوم العصبية القبلية وتغييره إلى نظام الشرفاء ذوي النسب الشريف”.

كما أن “بعض المعطيات المرتبطة أساسا بالبعد الاثني اللغوي والبعد المجالي لكل منطقة، يضفي بعض الخصوصية على الطرق الصوفية المنتشرة بمختلف المناطق المغربية، غير أن مفهوم التصوف يخضع في مجمله لمجموعة من القواعد تتعلق أساسا بالتشبث بالشريعة الإسلامية ومبادئها والصرامة في تطبيقها، بالرغم من كون بعض الطرق المعروفة ببعدها الاجتماعي كما هو الحال للطريقة الدرقاوية التي عرفت انتشارا واسعا بالمناطق الجبلية والريف أبدت بعض المرونة في تطبيق الشريعة حيث أباحت لمريديها  استعمال نبتة الكيف وزراعتها”، يضيف المتحدث.

وبحسب الأستاذ جحاح أيضا فإن “من بين أبرز الزوايا والطرق الصوفية التي ميزت بلادنا وعرفت انتشارا واسعا، هي الطريقة التيجانية، والبودشيشية والناصرية حيث ساهم قرب هذه الزوايا من السلاطين والملوك الذين تعاقبوا على حكم البلاد في استمرارية هذه الزوايا وانتشارها،ذلك لأنه كان يتم توظيفها أحيانا لخدمة بعض القضايا السياسية والوطنية كتهدئة القبائل المتصارعة خلال فترة السيبة“.

ويشير الدكتور حجاج إلى أن “بعض مدن وسط المملكة تميزت بظهور طرق صوفية شعبية كما هو الحال للطريقة العيساوية والحمدوشية، فيما ساهمت طرق صوفية أخرى في نشر اللغة العربية لدى مريديها من الأمازيغيين كما هو الحال عند بعض قبائل صنهاجة بالريف التي اندمجت فيها الطريقة الخمليشية التي تنحدر بدورها من الطريقة الناصرية المتواجدة بجنوب المملكة،الأمر الذي يفسر تواجد بعض القبائل الناطقة باللغة العربية وسط مجموعة من القبائل الناطقة بالامازيغية”.

وأضاف “مفهوم التصوف بقدر ما هو يحترم خصوصية كل منطقة من عاداتها وتقاليدها، إلا أنه يحرص كل الحرص على بعده الكوني أي الانتماء للأمة الإسلامية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في سرعة انتشاره في عدة مناطق سواء على صعيد المملكة أو الدول الإسلامية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى