
ارتأى الملك محمد السادس بعطفه وتسامحه الأبوي أن يصدر عفوه على المعتقلين على خلفية احتجاجات الريف وما عرفته من أحداث أخرجتها عن سياقها السلبي.
والملك بسموه وعلوه فوق كل الخصومات والخلافات السياسية والشخصية والمصلحية فاجأ جميع المتعقبين والمتربصين بمصالح الوطن، وسار عكس تيارهم ومطامحهم ومطامعهم وما تمنوه من سوء للبلاد ضدا على استقراره ورخائه ونموه.
إننا نؤكد كما سبق أن قلنا أن ما يضر أهل الحسيمة أو غيرها من أقاليم المملكة يضر جميع الوطن وأبنائه، وبالتالي فإن الملك لم يتوان لحظة واحدة في متابعة الملف بما يستحقه وإعطاء تعليماته بالاستجابة لمطالب أبنائه من أهل هذا الاقليم دون الانجرار وراء الأهداف الخبيثة لأولئك المتربصين في الداخل أو الخارج بالمصالح العليا للوطن.
إن الحسيمة لا تشكل لوحدها موضوعا للتأخر والتماطل الذي تعرضت له بعض المشاريع التي أشرف الملك على انطلاقتها، بل هناك بالمقابل مشاريع أخرى وأوراش حيوية في مناطق أخرى تعرضت بدورها للتأخير لسبب أو لآخر، ولكن الملك كان حاسما في مجلس الوزراء الذي وضع فيه القطار على سكة الإصلاح وإعادة ترتيب الأمور.
فالملك بكونه المرجع والساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات، وبكونه يوجد من حيث الموقع فوق الأحزاب والخصوم السياسيين، سبق أن تطرق أكثر من مرة في خطبه وتوجيهاته إلى المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، وحذر من الإساءة إلى سمعة الوطن أو المس بأمنه وسلامته، وقد نبه في أكثر من مرة بأسلوب نقدي إلى بعض الانزياحات والانحرافات السياسية والذاتية.
إن معتقلي أحداث الحسيمة استفادوا كغيرهم من أبناء هذا الوطن من عفو ملكي تاريخي يعبر عن روح عالية وأبوية لأنه أرجع العداد إلى الصفر لكي يبدأ الجميع من نقطة البداية التي هي خدمة الوطن ولا شيء غير الوطن في نموه ورقيه ورخائه وهدوءه، والتقدم والتنمية لا يمكن أن تتأتى دون هذه المراجع المبدئية.
إن العفو حق سيادي ودستوري، يمارسه الملك وشرعه الدستور في الفصل 58، والعطف الملكي اقتضى التجاوز عن المتابعة رغم أن الكثير من المستفيدين لم تصدر بخصوصهم عقوبات حبسية من طرف القضاء.
إنها ليست المرة الاولى التي يتنازل فيها الملك عن حقوقه الدستورية والسيادية أمام تجاوزات تمس كرامته وعلوه وسمو شخصه، فقد سبق لبعض الصحفيين أن اتهموه بتلقي الرشاوي في قضايا وطنية واستثمارية وإدارية ورغم ما لهذا الاتهام من مس لجلالة شخصه فقد أبى إلا أن يترفع خارج الذات عن كل ما يمس به ويجعل مصلحة رعاياه أعلى من مشاعره الانسانية والبشرية.
ولذا فان التدخل الملكي جاء ليقول لآباء المعتقلين، إني أقدر مشاعركم، وليقول للمعتقلين في هذه القضايا، إني أبدأ معكم صفحة جديدة ملؤها العطف الأبوي والسعي لخدمة الوطن، وليقول لأهل الحسيمة، إني أحبكم جميعا وسنعمل سوية لتنمية الإقليم والبلاد، وليقول أخيرا لكل مسؤول مهما كان شأنه، لن يتساهل الوطن مع من أخل بواجبه اتجاه الوطن. فشمروا السواعد…





