هكذا اغتال الرئيس تبون نصف ساكنة الجزائر في كذبة واحدة

من سمات الكذب السياسي أنه يبدأ صغيرا محتشما لقياس حرارة الناس، ثم يتدحرج ويتفاقم مثل الكرة الثلجية، ليصبح أكثر تأثيرا وخطورة، تماشيا مع المقولة البغيضة لجوزيف جوبلس، وزير الدعاية النازية في عهد هتلر: “كُلما كبُرت الكذبة كان تصديقها أسهل”.
أحالني كلام جوبلس على بعض المحطات التي يبدو فيها السياسي الكذّاب مدافعا بإيمان قوي وبيقين أعمى على قضية يعتبرها “راسخة”، ثم يتراجع على الفور وبنفس الإيمان عن نفس القضية التي اعتبرها في البداية “راسخة”، في عملية انحدار أخلاقي تدعو إلى الشفقة.
والكذابون السياسيون أصناف: صنف مصاب بجشع السلطة وجاذبية المناصب، وصنف لاهث وراء وضع اعتباري ينقصه، وصنف ثالث متسول لأصوات تمنحه ارتكازات تمثيلية في البرلمان أو في المجالس المختلفة، فتراه يمطر الناس بوابل من الرصاص على الأوضاع المزرية للطفولة المشردة الضائعة، ويتباكى كاذبا على حقوق العمال المهضومة، قبل أن يُشيد متملقا بمكانة المرأة التي لا نهضة ولا تنمية بدونها، فيما مُنافسه في الجهة الخلفية من المكان، يدين في كذبة انتخابية مدروسة، الارتفاع المهول في الأسعار، وتدهور القدرة الشرائية.

هؤلاء الكذابون جميعهم تكونت لديهم القناعة مع الممارسة اليومية الكاذبة، بأن مهنة السياسة تبدأ بالتضليل والمقالب، وتنتهي بالمناصب والمكاسب، بعد أن يغلفوا أكاذيبهم بثوب الشرعية والمصداقية، الكفيلة بتقوية فرص الشحن والاستقطاب.
أكاذيب هؤلاء اللاهثون وراء منصب برلماني أو جماعي، وإن كانت ذات صلة بالمنافع والمصالح الشخصية، فهي ألطف بكثير من أكاذيب الساسة الكبار، من رؤساء وحكام لا يعيرون قيمة تُذكر للمبادئ والقيم الأخلاقية التي يعتبرونها شيئا من التخاريف الأدبية، بعد أن يؤسسوا لمشاريعهم السياسية، على قاعدة المكر وتزوير الوعي، وغير ذلك من الأساليب المندرجة تحت يافطة التضليل الإعلامي، المقرون بالتعتيم، والترهيب، وإثارة الشكوك والخوف. دافعهم الأساسي، ممارسة فعل التخدير الممنهج، وإحداث التأثير المنشود بطرق قصدية، مدروسة ومبرمجة.
ولا يغيب عن المهتمين بالشأن السياسي المغاربي، في سياق هذه الممارسات القذرة، ما يظهر واضحا في كلام الحاقد الجار، الرئيس عبد المجيد تبون، من تضليل وكذب ومغالطات مكشوفة، تنهل جميعها من قاموس شوفيني ناطق بحقد باطن، ظل ينخره منذ أن تولي السلطة في انتخابات مغشوشة، لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 28%.
مغالطات عبد المجيد تبون، وما أكثرها، تبدأ بالتفاخر ب”القوة الضاربة” التي لا تقهر، وتنتهي بتخويف الجار المغرب، مرورا بالتعتيم وإثارة الشكوك ، ضمن عملية تنويم الجزائريين، وإعادة تركيب وصياغة وعيهم، ارتكازا على مجموعة من المبررات التي يراها قادرة على اقتحام عواطفهم، وتحويلها إلى الهدف المرسوم.
ويحضرني ضمن العملية التنويمية قوله وتكراره قوله، منذ أن سرق السلطة، أن لا دخل لبلاده في قضية الصحراء، وأن المشكلة ثنائية بين “طرفي النزاع”، المغرب والبوليساريو فقط. مثل هذا الكلام ينطق بكذبة استحمارية أثبتت ضعفها في التحجج والإقناع، وفي التخاريف والكذب على الشعب الجزائري في المقام الأول، ومن بعده على شعوب إفريقيا التي لم تعد تستهويها المغالطات المُغلفة بالشعارات الاشتراكية المغشوشة. إفريقيا التي بعد أن شبّ ضميرها وهبّت عليها رياح الديمقراطية، لم تعد أجيالها الجديدة تقبل الرشاوى والعلاوات، التي كان يُغدقها حكام الجزائر على بعض الحكام الأفارقة من خزينة الدولة الجزائرية بصورة منتظمة.
كذبة من حجم تبرئة بلاده من حشر أنفها في قضية الصحراء، تذكّر الجزائريين بدعوته سلطات بلاده إلى “كسر الحاجز الذي بناه العهد البائد بين المواطن والدولة”. عن أي عهد بائد يتحدث سلطان الكذب، وهو جزء من هذا العهد، بل هو العهد البائد بدمه ولحمه ، شغل فيه منذ 1973 إلى اليوم (أزيد من نصف قرن) أعلى الوظائف البرلمانية والوزارية، إلى أن عين رئيسا للحكومة سنة 2017.
كذبات وكذبات استحمارية ساقطة، ليهتدي في نهاية المطاف إلى كذبة مدوية لا ينطق بها سوى السفهاء الحريصون على النيل من روابط الصداقة والإخاء القائمة بين الشعبين المغربي والجزائري. كذبة تقول إن جميع محاولات زرع الفتن في الجزائر، هي من صنيعة المغرب وإسرائيل. ولا نحتاج هنا لعملية سبر آراء المغاربة والعرب والمسلمين لنفهم أن مثل هذا الكلام ينطق بزندقة سياسية دالة على مرتبة حضيضية من اللامسئولية الأخلاقية، ينفرد بها الضالون المُضللون التافهون، بتوريطهم المغرب بمعية إسرائيل، في المظالم التي يقترفها نظام العسكر في حق الشعب الجزائري.
سفاهة دنيئة أعقبتها حقارة أخرى أكثر منها دناءة من قبيل تخويف الشعب الجزائري من عدوان وشيك قادم من المغرب ومعه دائما إسرائيل على الجزائر. “الغول المغربي يُجهز لابتلاع بلادكم بمعية إسرائيل، وأنا تبون القائد المغوار الحامي لكم، والقاهر للمعتدي ولأطماعه التوسعية”. انظروا كيف المغالطة والتضليل في قمة الخطورة، وكيف أسلوب التخدير والتأثير خفي ومُدمر. انظروا إلى سلطان الكذب وما ينطق به من كلام ساقط، عديم الأخلاق، لا يعير اعتبارا لثوابت الجوار والدين والمصير المشترك.
ولأن ورم الكذب السرطاني استفحل بقوة في كيان محترف التمويه والتضليل، فقد اهتدى تبون من بين ما اهتدى إليه هذه المرة، إلى اغتيال خمسة ملايين جزائري دفعة واحدة، في كذبة صارخة نقل فيها عدد “الشهداء” من مليون شهيد، وهو الرقم الذي روج له كشعار، الرئيس بن بلة في لقاء مع جمال عبد الناصر، في بداية قيام الجزائر كدولة بمواصفاتها الدستورية عام 1962، وانتفخ الرقم في عهد سلفه الراحل، بوتفليقة، إلى مليوني شهيد، قبل أن يتجاوز الخمسة ملايين وستمائة ألف، كما عددها الكذّاب عبد المجيد تبون، في عملية تمويهية خطيرة، أضاف إليها، بالتأكيد، مئات الآلاف من قتلى الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، وعشرات الآلاف ممن لقوا مصرعهم في التجارب النووية الفرنسية بمباركة جزائرية. ومن كل هذا، فقد نسي الرئيس تبون أو تناسى أن عدد سكان الجزائر سنة 1840، أي سبع سنوات قبل احتلالها من فرنسا، لم يكن يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بحسب إحصاءات الدولة المستعمِرة، فيما عددهم في الإحصاء الجزائري الأول سنة 1963، كان يراوح العشرة ملايين نسمة. وهو ما يعني أن نصف الشعب الجزائري هم شهداء الاستقلال بمنطق سلطان الكذب الرئيس عبد المجيد تبون