خرج أسامة بن كيران، نجل رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، بتدوينة “فيسبوكية” عبر من خلالها عن حنينه إلى سنة 2011 وبالضبط إلى يوم 20 فبراير، في إشارة إلى ما عرفه ذلك اليوم من تلك السنة من مسيرات وتظاهرات سلمية عمت عددا من المدن المغربية، تزامنا مع موجة ما سمي ساعتها بثورات “الربيع العربي”، التي أدخلت بلدانا عربية في حروب أهلية أهلكت الحرث والنسل وخلفت من ورائها خرابا ودمارا تحتاج إلى عقود من أجل إعادة بناء ما تم تدميره.
ولأن ابن البط عوام، فقد ورث أسامة عن أبيه عبد الإله فنون “الطنز السياسي” وبيع القرد والضحك على من اشتراه، وإلا ما معنى أن يحتفي بالذكرى 8 لحركة 20 فبراير وهو لم يكن يوما أحد نشطائها ولا يتقاسم معهم توجهاتهم ولا مطالبهم السياسية والاجتماعية التي طالبوا بها في مسيراتهم الاحتجاجية؟ وهل نسي أن حزب العدالة والتنمية الذي كان يقوده والده ساعتها قد كان ضد هذا الحراك، ورفض أن يشارك فيه “البيجيديون” بصفتهم الحزبية؟ ومتى تخلى المغاربة عن الجرأة في التعبير عن المطالب الشعبية ليحن مذلل أبيه إلى هذه الجرأة؟
كنا ننتظر أن يكون أسامة وهو الشاب الذي ما زال يشق طريقه نحو المستقبل صريحا مع نفسه، لو انتقد الحصيلة الهزيلة لوالده على رأس الحكومة، ومن بعده سلفه سعد الدين العثماني، وهو في ذلك سيكون صادقا مع المواطنين الذين اكتووا بنيران الزيادة في الأسعار، وعانوا من تجميد الأجور طيلة تولي “البيجيدي” مقاليد رئاسة الحكومة. ولأنه لم يفعل ذلك واختار النبش في ذاكرة 8 سنوات التي مرت، نذكر ابن كيران الصغير أن المغاربة اليوم يحنون إلى مرحلة ما قبل 20 فبراير، حيث كانت ظروفهم المعيشية أحسن مما هي عليه بعد أن جلس عبد الإله بن كيران الكبير على كرسي رئاسة الحكومة.
كنا ننتظر أن يحاسب أسامة قادة “البيجيدي” عن فشلهم في تدبير الشأن العام، وأن يسائلهم في أكثر من تدوينة لماذا باعوا الوهم للمغاربة، وضحكوا على الذقون، خصوصا وأن أحوال الوزراء والبرلمانيين ورؤساء الجماعات الترابية منهم، قد تغيرت إلى أحسن حال يتمناه المرء، وكيف علت النضارة وجوههم التي كانت شاحبة قبل 8 سنوات، وكيف اكتنزت أردافهم وأكتافهم ورقابهم بنعيم لم يتذوقوه حين كانوا ينسجون خيوط اللغو السياسي في موقع المعارضة.
كنا ننتظر أن يصطف أسامة مع المغاربة الذين يحاكمون تجربة العدالة والتنمية اليوم، ويقول مثل ما يقول الكثير منهم إن الشعب المغربي تعرض في لحظة غفلة لأكبر عملية نصب واحتيال من طرف المتباهين بالمرجعية الدينية، فلا مرجعيتهم تشبثوا بها ولا شعاراتهم التي رفعوها في الحملات الانتخابية التزموا بتفعيل ولو النزر القليل منها وهم قعود على كراسي المسؤولية. كنا ننتظر منه أيضا أن يعلن رفضه للتقاعد الاستثنائي السمين الذي دخل جيب أبيه، وأن يعيب عليه كيف جمع بين أجر رئيس الحكومة بتوابعه من امتيازات وتعويضات وبين معاشه البرلماني. وأن يعيب على الشوباني وسمية وبنحماد وفاطمة النجار، وكذا يتيم وأمينة ماء العينين واللائحة طويلة، فضائحهم الأخلاقية التي يندى لها الجبين.
هكذا تغاضى “الفتى” أسامة عن كل هذا وذاك، وانتابه الحنين فقط إلى 20 فبراير، بل أكثر من ذلك فقد تمنى أن تعود الاحتجاجات إلى الشوارع من جديد بعد أن كتب في تدوينته قائلا ” 8 سنوات مرت بحلوها ومرها في انتظار ربيع قادم بحول الله”. وليطمئن قلب أسامة فالمغاربة لم تعد تنطلي عليهم حيل ودسائس الاحتيال السياسي، لأنه شتان بين حاملي الشعارات الجوفاء وبين حاملي الأفكار والبرامج.
لقد ظهر أسامة بنكيران في وقت عاد فيه والده الى الظهور وكأن الأمر يتعلق باتفاق بينهما لتهييء الظروف الملائمة لخلافة الإبن لأبيه، وبالتالي فها هو توريث الزعامة يطرق باب حزب العدالة والتنمية، وها هو أسامة بنكيران يشحذ لسانه في إطار مناورات تدريبية لممارسة القيادة الحزبية.
من حق أسامة أن يحن لمسيرات وشعارات 20 فبراير وينتظر ربيعا آخر يراه هو “قادما بحول الله”، لا لأنه يعيش تحت طائلة الفقر أو يعاني من البطالة مثل عدد من أقرانه المغاربة الذين رغم قساوة ظروفهم المعيشية يتمنون الأمن والاستقرار لبلدهم، ولكن لأنه يعتقد في قرارة نفسه أن عودة الروح لحركة 20 فبراير ستعيد والده إلى الواجهة من جديد، علما أن يوم 20 فبراير وما بعده كان فأل خير على العائلة وعلى “البيجيدي”.