الأخبارسياسةمستجدات

هل يكشف الجفاف الفشل الشامل للحكومة؟

الخط :
إستمع للمقال

الحكومة بمقولة للمارشال ليوطي مفادها أنه إذا أردت أن تحكم في المغرب فإنه بجب أن تمطر السماء. وبغض النظر عن كون الاستشهاد برجل قاد استعمار المغرب وقتل من أبنائه الآلاف، كما وثق وحلل ذلك المؤرخ التقدمي جيرمان عياش في أطروحته المرجعية حول حرب الريف،غيرلائق، فإن بنكيران الذي عبر عن ابتهاجه بالسنوات الممطرة من قبل واعتبرها دعما إلهيا، يجب أن يكون قلقا جدا اليوم من الغضب الإلهي الذي يترجمه شح الأمطار، وانعدام الريع الذي عاش بفضله منتشيا في تلك السنوات، حتى وإن كانت الإيديولوجيا التي يمتح منها عصارة نبتة رمال ذات ذوق بدوي (من البدو الرحل الذين يحتقرون الزراعة أصلا).

ذلك أنه بعد 15 يناير يستحيل إنقاذ الموسم الفلاحي 2015-2016، لأن موسم الحرث انتهى بالنسبة للفلاحين فيما يتعلق بالحبوب الخريفية، والمساحة التي كانت تحرث في المواسم السابقة، والتي زادت عن 5 مليون هكتار في الموسم الماضي، لم يحرث منها إلا القليل في الموسم الحالي، لأن الفلاحين درجوا منذ سنوا ت على تجنب “البكري” ومراقبة الأمطار في الشهور الأخيرة من السنة (نونبر ودجنبر) دون الحاجة إلى خطب الوزيرة التي تشتغل 22 ساعة فيما لا ينبت زرعا ولا يشحن ضرعا.

وحتى إن جاءت الأمطار متأخرة، في شهر مارس أو أبريل، كما يتوقع ذلك بعض خبراء البيئة، فإنها يمكن أن تحل الخضرة مكان اليبس السائد اليوم في كل مكان، وأن تحسن وضعية المراعي نسبيا، لكنها لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تشجع فلاحا محبطا ومثقلا بمخلفات موسم الحرث بالمغامرة بزرع البذور الربيعية، فبداية الموسم الفلاحي تؤثر عادة على بقيته.

وقد بات مؤكدا اليوم أن محاصيل الحبوب الخريفية ستهبط إلى مستوى لم تبلغه منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وبات متوقعا كذلك ان تتضرر تربية المواشي بشكل كبير نتيجة غياب المراعي وكلفة الأعلاف، والفرعان معا يشكلان أكثر من ثلثي الناتج الداخلي الخام للقطاع الفلاحي.

ومن المؤكد أن تأثير تساقطات المطر الضعيفة جدا، والتي تقل عن مستواها في موسم فلاحي عادي بنسبة تتجاوز 60 في المائة، ستكون ذات أثر سيء على الأشجار المثمرة والبقوليات، وذلك رغم أن الأراضي المسقية (15 في المائة من مجموع الأراضي الفلاحية فقط) يمكن أن تستفيد من مخزون مياه السدود المرتفع نسبيا (63 في المائة) ومن الفرشة المائية التي تحسنت في السنوات الأخيرة. لكن مناطق البور ستعرف تراجعا كارثيا وستعرف لامحالة ندرة لمياه الشرب حد العطش، وهي على العموم مناطق يرتبط اقتصادها بتربية الماشية.

هكذا يتوقع أن يسجل الناتج الخام للقطاع الأولي نموا سالبا في السنة الجارية وأن يجر معه الناتج الداخلي الخام الوطني إلى مهاوي لم يصلها منذ بداية الألفية الجديدة.

وإذا الحكومة تتشبث بتوقعها ببلوغ معدل نموه 3 في المائة، الذي اعتمدته ضمن فرضيات إعداد قانون المالية للسنة الجارية، وتستمر بمجادلة من يشكك فيه على لسان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، الذي كان غائبا أو مغيبا أو في غيبوبة في الشهور الماضية، فإن المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب والبنك العالمي يتوقعون نموا قريبا من 2،5 في المائة فقط، ويبقى التوقع الأقرب للحالة التي توجد عليها الفلاحة خاصة، ومجمل الاقتصاد في ظل ميزانية تنحو نحو الانكماش، هو الصادر عن المركز المغربي للظرفية الذي توقع ألا يتعدى نمو الناتج الداخلي 1،2 في المائة، وهو أدنى وأسوأ معدل نمو يسجله المغرب مند أكثر من 17 سنة.

وإذا كانت البطالة القروية المنخفضة جدا (3 في المائة) قد ساهمت بشكل أساسي في تخفيض معدل البطالة وطنيا خلال السنوات الماضية الممطرة، فمن المنتظر أن تساهم في سنة 2016 الجارية في الرفع من ذلك المعدل بشكل كبير ليبلغ مستويات قياسية لم يبلغها منذ سنوات، إذ توفر الفلاحة لحد الآن أكثر من 40 في المائة من مجموع مناصب الشغل سنويا، بما في ذلك لفائدة عدد من سكان المدن، مع العلم أن معدل البطالة تجاوز 10 في المائة في سنة 2015 بمحصولها الفلاحي القياسي وأمطارها، وهو معدل مرتفع مقارنة مع العشر سنوات الأخيرة. وينتظر كذلك أن تعرف الهجرة القروية ارتفاعا، خصوصا إذا نفذ حزب العدالة والتنمية تهديده بعرقلة صندوق التنمية القروية الذي اعتبر انتقال الإمرة بصرفه من الولي الصالح عبد الإله بنكيران إلى عزيز أخنوش، الذي اتهموه بالماسونية وباتهامات أخرى بعدما كان محبوبا بسبب تمويله لمؤتمر حزب العدالة والتنمية الأخير، وتمكن من إرباك تنفيذ أهدافه.

لقد كان رئيس الحكومة حين استشهاده بالمارشال اليوطي في حالة انتشاء بالمطر وواقعيا، وسيكون أكثر واقعية حين سيجد نفسه في هذه السنة الانتخابية في مواجهة الفشل الشامل في ظل ندرة المطر.

كان حريا به ربما أن يدمن على صلاة الاستسقاء لتحاشي الفشل، وهو مالم يفعله.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى