الأخبارركن الميداوي

ورم سرطاني خبيث يصيب الجسد الإعلامي المغربي اسمه التسوّل والانحدار الأخلاقي

الخط :
إستمع للمقال

الانحطاط.. السفالة.. القرف.. الحقارة.. لا يجد المواطن المغربي كلمات أقوى للتعبير عن سخطه وإدانته للمستوى المنحط الذي سقط فيه الإعلام المغربي، عبر الصحف الصفراء الرخيصة، والقنوات المأجورة التي لا تتوقف عن تحميد وتمجيد أصحاب النعمة الذين اشتروا ذممها، على حساب الشرفاء من أبناء الوطن، أو حتى أحيانا على حساب الوطن نفسه.

أسباب موجات التذمر والسخط السائدة على الخصوص في أوساط المغاربة، من متعلمين نضج وعيهم السياسي والإعلامي، ومثقفين متذمرين، وإعلاميين أحرار يؤمنون بحرية التعبير في سياقها الشمولي القائم على المساءلة والنقد، دون تهجمات ساقطة صارت السمة الغالبة في بعض المواقع والقنوات الرخيصة التي تجاوزت حدا لا يطاق من الإساءات للوطن وللمواطنين تحت عمى التمويلات والعلاوات المختلفة التي تُصرف لها بغاية الإيقاع بين المغاربة أنفسهم، وبث الأحقاد والشكوك في نفوسهم، تحت عباءة “المواطنة الصادقة”، والمواطنة منهم براء.

الفكر التخويني من فرط تعشُّشه في تلك المواقع والقنوات الاسترزاقية، تحوّل إلى زندقة إعلامية وسياسية جديدة يحيطها المتسوّلون، وهم يرددون ومن دون توقف، لازمتهم المريضة المألوفة: “بارطاجيو ألخّوت، بارطاجيو”، بسياج من المغالطات الملفوفة بمزبلة من المبررات، غايتها خلط الأوراق وشحن المواطنين على بعضهم البعض.

رواد الإعلام الاسترزاقي التضليلي، وهُم يوطئون لكلامهم بنبرة ملائكية من حيث الشكل، وبسيل من المصطلحات المُقتبسة من قاموس الإنشاء السياسي، من حيث المضمون، يعتمدون وصفات سحرية مختلفة للوصول إلى مبتغاهم، تبدأ بالتدليس ثم التلفيق، قبل أن يتوجوها بالتجريم والاتهامات الباطلة، في غياب هيئة دفاع موحدة ومتماسكة، من قبل الصحافة الحرة التي تفرض عليها الأوضاع الإعلامية المتردية، حملات جريئة واسعة ضمن خندق دفاعي واحد، للتصدي لهؤلاء وتعريتهم.

رسالتي لجميع من يقع تحت سحر مثل هكذا إعلام متسوّل، وبالخصوص فئات محدودي الثقافة والمعرفة، هو أن ما ترونه دائما في مواقع وقنوات التضليل، ليس هو الحقيقة كما يخطر على بالكم، بل مجرد سُم في وصفة دواء، وهْمٌ ودجل مرصّعان بالكذب ومُزخرفان بكل أنواع الخداع والنصب.

تنبيه مني لجميع ضحايا التضليل الإعلامي، إلى توخي اليقظة من الرسائل الملغومة التي يروج لها الاسترزاقيون، حيث الربح السريع من “بارطاجيو ألخوت”، هو الغاية الأسمى لهم، حتى وإن كان لا يتوافق مع مبادئ وأخلاقيات المهنة.

تنبيه آخر مني أنا الذي امتهنت الصحافة منذ أربعين سنة وطفت بالكثير من أجناسها ومنابرها، ولا أجد سوى التحسر على الانحطاط الإعلامي، والانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه على يد رمزة من الدخلاء المضللِين، تنبيه مني إلى أن بيع الوهم والتشعوذ، أصبح تجارة مربحة وبضاعة مطلوبة تعرضها على مدار الساعة بلا خجل، رمزة من المتسولين المتصعلكين قارئي الحظ المتعثر، ممن تنطبق عليهم صفة “أشباه الإعلاميين” الذين يتغذون على قلة الوعي أو اختلاله لدى فئات عريضة من المواطنين.

مثل هؤلاء لا يختلفون في شيء مع صنف آخر من المتسولين، يتكاثرون بشكل ملحوظ أسابيع قليلة قبل الانتخابات، ويغربون تماما، هم وشعاراتهم ووعودهم، في انتظار لُقياهم مجددا في الانتخابات القادمة. أصحاب الخطابات المنمّقة القائلين بالشيء تحت تصفيقات الجماهير، والقائلين بضده تحت تصفيقات نفس الجماهير.

وفي آخر المطاف، وكما الإعلام التضليلي، لا يتضرر سوى المواطن الباحث عن شعاع أمل بين جدران وطنه، وعن تشخيص حقيقي مسئول لمواطن الداء، فلا يجد سوى السراب والوهم الشعوذي السائد في أوساطهم.


الوهم الشعوذي الذي نراه عند الدجالين والعرافين، هو نفسه الذي جاءنا اليوم في لباس جديد وإن كان يختلف في السلعة والوظيفة، مع قاسم مشترك بين الصنفين، هو التلاعب بتطلعات الناس وبرغباتهم.


أسباب هذا الانحدار الإعلامي والأخلاقي، باتت واضحة، ويمكن حصرها بالأساس، في المال المُسيّس الذي تغدقه بعض المؤسسات، وحتى بعض الدول على القنوات والمواقع المأجورة، لتبني أجندات تخدم من يدفع، خلاقا للإعلام الحر النزيه الخالي من التبعية والانبطاح للمال السياسي. إعلام يعبر عن هموم الوطن بصدقٍ وشجاعة، ويعتمد في ذلك على الوعي الجماهيري اليقظ كذرع أساسي في مواجهة التضليل الإعلامي.


إعلامنا الوطني أصبح اليوم عند مفترق الطرق، إما أن يتحرر من قيود المال الفاسد والولاءات المختلفة، ويستعيد مكانته الطبيعية، كمدافع صادق نزيه عن حقوق الوطن والمواطنين، أو أن يرتمي في أحضان سماسرة السياسة، تجار الكذب والخداع الذين يركبون بمناسبة أو غيرها، على التضليل والوهم لتوسيع قاعدتهم التي تراجعت إلى أحط المستويات، حيث تؤكد آخر استطلاعات الرأي أن 70% من الجمهور المغربي يشعر بعدم الثقة في القنوات والمواقع الإعلامية، وترتفع النسبة إلى 83% ممن لا يثقون في المواقع والقنوات ذات الحمولة التهجمية والتحريضية.


استطلاع الرأي هذا، يضع حدا فاصلا بين صنفين من الإعلام.. صنف احترافي حر، ينقل الحقيقة بصدق وموضوعية، ويعبر عن الرأي بفهم وأمانة، وصنف تمثله جوقة مأجورة تترنح بين الكذب والجهالة، وتنبح حتى في غياب مرور القافلة. إنه ورم سرطاني خبيث يصيب الجسد الإعلامي المغربي، اسمه التسوّل والانحدار الأخلاقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى