اخبار المغربرأي في قضيةمستجدات

وسائط مقاومة الإصلاح

الخط :
إستمع للمقال

في كل البلدان يسير الإصلاح بسرعات متفاوتة، تختلف من قطاع إلى آخر، ويكون التخليق ومحاربة الفساد القضية الأكثر حساسية في قطاعات حكومية دون أخرى، ويصبح الأمر أكثر تعقيدا حينما يتعلق الأمر بمؤسسات إنفاد القانون. يُفترض أن سرعة الإصلاح داخل القطاع الأمني مثلا ليست هي نفسها السرعة التي يحدث بموجبها التغيير في قطاعات الثقافة أو الاقتصاد والمالية أو الإدارة نفسها. وإذا ما استثنينا قطاع العدل الذي استقل فيه القضاة بشؤونهم، فإن قطاع الأمن يبرز كأكثر القطاعات التي شهدت عمليات تخليق نوعي وإصلاح مؤسساتي وتجاوب مع كل الهيئات، سواء المدنية أو الحقوقية أو مؤسسات الوساطة وغيرها.

ظل التخليق والإصلاح داخل قطاع الأمن يسير بسرعة كبيرة قياسا بباقي القطاعات الحكومية الأخرى، وقد شكلت هذه السرعات المتفاوتة بشأن تمرين التغيير واحدة من أسباب استمرار مظاهر الفساد وغياب الشفافية في بعض مرافق الدولة. وظل السؤال مطروحا كيف لمؤسسة أمنية أن تسير بسرعة تفوق بكثير سرعة الإصلاح داخل باقي القطاعات الإدارية؟ أليس من المفترض أن يكون العكس هو الصحيح؟ فكل تجارب الانتقال نحو الديمقراطية، خاصة في أمريكا اللاتينية حيث تم اختبار نماذج كثيرة لإصلاح قطاع الأمن في المراحل الانتقالية، أبانت (التجارب) أنه خلال عملية الانتقال يحدث التغيير والتخليق داخل المؤسسة الأمنية بسرعة أقل قياسا بباقي المرافق، لأن إصلاح قطاع الأمن غالبا ما يُنتج “مقاومة” من الداخل والخارج تتغذى من أولئك الذين يلفظهم التخليق والشفافية، فيتحولون إلى أدوات للتشهير ونشر الادعاءات ومحاولة الضرب في المؤسسة بكل الوسائل وعبر مختلف وسائط مقاومة الإصلاح.

إذا صح، ما تسرب من تسجيلات وأخبار تفيد بتورط أشخاص ينتمون إلى الجهاز الأمني بمستويات مختلفة، تعرضوا للإبعاد وخلافه، في عمليات توريد المشهرين بالأخبار والوقائع بغرض الابتزاز والتشهير بالمؤسسة الأمنية وشخص مديرها بغية تصفية حساباتهم الشخصية والمهنية، فإن الأمر يستحق تفكيرا عميقا في مخاطر “المقاومة” التي تنشأ عن سرعات الإصلاح والتخليق بفعل ما تُحدثه من ردود فعل مرضية وانتقامية أحيانا. ولعل ما يعزز موقفنا ما أبانت عنه النخب السياسية والحقوقية، خاصة منها تلك التي تبنت أجندة الإنصاف والمصالحة، من تردد وارتباك ولُبس في الموقف من حملات التشهير ضد الأمن وقياداته.

هي ليست دعوة لفرملة الإصلاح أو مراجعة السرعة التي يسير عليها، لأن الأمر يتعلق باختيار وقناعة دولة. لكن ما حدث فرصة لإمعان النظر في مواقف دعاة التخليق والحكامة الأمنية وحفظ الأرشيف وتفعيل أثار المسؤولية التضامنية والإخبار عن العمليات الأمنية والإجراءات التصحيحية ومأسسة السياسات الأمنية (المجلس الأعلى للأمن) وربط المسؤولية بالمحاسبة وتقوية لجان المساءلة البرلمانية وأصدقاء المقررين الأمميين.. كل هؤلاء فضلوا الصمت وقت الكلام. اختاروا الجانب الخطأ من التاريخ.

إن تخليق المرفق الأمني كان ضرورة فرضها السياق والتوجه والنقاش العمومي، ففي السياق شكل الإقرار الملكي للمفهوم الجديد للسلطة إشارة موجهة لمختلف مؤسسات إنفاذ القانون بالانخراط في مسلسل إعادة بناء الجهاز المفاهيمي للسلطة. وفي التوجه، كرست الدوريات والبلاغات الإدارية التي صدرت عن المؤسسة الأمنية طيلة هذه الفترة قواعد سلامة العمليات الأمنية واحترام حقوق الإنسان وربط المسؤولية بالمحاسبة في حالة وقوع تجاوزات. بينما شكل النقاش العمومي، الحزبي والمدني والحقوقي، أجندة ضاغطة لتعزيز الإصلاح وتخليق العمل الأمني وجعله جزءا من الانتقال الديمقراطي برمته.

وفعلا، دفعت هذه الأجندة في اتجاه تكريس قواعد الحكامة الأمنية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز النزوع الحقوقي للترسانة القانونية وتكريس قواعد الرقابة الإدارية والقضائية على أعمال قطاع الأمن وغيرها من موجبات أجندة الإصلاح. وقد تفاعلت المؤسسة الأمنية مع الأجندة وتبنتها إلى أقصى مستوى ممكن بدءا بالتكوين في مجال حقوق الإنسان والمساءلة الإدارية والعقابية وإبلاغ الجمهور بها، ووصلت مستويات التخليق إلى حد التماس فتح أبحاث قضائية. والإصلاح باقٍ ويتمدد نحو تجفيف منابع تمويل وتوريد التشهير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى