وكأننا في مجلس النواب: الملك ينتقد الأوضاع الاجتماعية ورئيس الحكومة ينفي علنا

هل المغرب يسير بسرعتين أم بسرعة واحدة ؟، جلالة الملك كان واضحا في خطاب العرش مساء 29 يوليوز الماضي، والمغاربة اعتادوا أن يخاطبهم ملكهم بصراحة ووضوح وأن يكون كلامه مستندا على وقائع حقيقية وتشخيصات دقيقة لأوضاع المجتمع خاصة، كما أن ملك البلاد اعتاد أن ينصت بإمعان إلى هموم الشعب، لكن المفاجأة جاءت بعد شهر وبضعة أيام فقط على لسان رئيس الحكومة الذي قلب خطاب العرش رأسا على عقب، وعاكس مضامينه، وعارض التشخيص الذي قدمه الملك في الخطاب.
رئيس الحكومة ظهر في خرجة بدت مضامينها بئيسة عبر القنوات الرسمية، والحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن ضعف مستشاريه ظهر جليا في ملامح خطابه، بل إن الهشاشة التكوينية لمن يحيط به كشفت الضعف التكويني لرجل الأعمال الناجح بشكل يدعوه إلى مراجعة أموره باستعجال،
فضعف القدرات الخطابية لرئيس حكومتنا لم ترممها حجج منطقية، ولا عناصر ترافعية، مما زاد في العيوب ثقوبا، ولم يساعد على تغطية الثغرات، ولا على تخفيف العثرات، بل لم يعط لمداخلة رئيس الحكومة أي جاذبية تذكر، ولا أية قيمة مضافة تبرز مهارة وكفاءة مستشاريه ومساعديه، ولعل الخلاصة الوحيدة التي يمكن أن نستنتجها من هذا الوصف الشكلي هي: ليته لم يتكلم والسلام.
ولنترك الشكل جانبا، ونحلق فوق بعض الفقرات بشكل غير تفصيلي من حيث التحليل، ولا الأكاديمي من حيث المنهج، لأن الصحافة الإلكترونية لا تليق بها الاستطالة ولا الإطناب، ولنبدأ بحالة التعليم ومهازل التعليم الذي أصبح أضحوكة على كل الألسن في الداخل والخارج، ولندع جانبا بعض الأدوار الطلائعية التي قامت بها مؤسسات ناجحة، كالمكتب الشريف للفوسفاط، ونسائل رئيس الحكومة بكل صراحة: ألا يعاني تعليمنا المغربي من فوارق مجالية وطبقية مما يضعف حظوظه في تكافؤ الفرص؟، هل يرضيكم كمسؤول حجم المحفظات وغلاء تكاليف الدراسة، ووطأة لوبيات التعليم الخاص، والمكتبات ومستوردي الأوراق والكتب؟، هل نزيدك من العلم فقرة وأنت أعلم بها يا رئيس الحكومة؟، أما انتبهت إلى وضع الفقير في باديته، ووضع الباكي على حاله، ومعاناة الموظف وأناس الطبقة الوسطى، والمصائب التي يتخبطون فيها من ويلات مدارس خصوصية، لا تحترم معايير التدريس ولا فاتوراته ولا مستلزماته، ولا أدل على ذلك من غياب الرياضة البدنية، وأوضاع مدارس الريادة وحالات المراحيض، وفرض إكراهات على التلاميذ دون مراعاة أوضاعهم الصحية؟.
اتركنا يارئيس الحكومة من كل هذا، وأخبر وزيرك في التعليم عن ترتيب جودة تعليمنا عالميا وعربيا وإفريقيا، وحتى على مستوى المغرب العربي، فنحن دائما في أدنى التصنيفات والترتيبات من حيث الجودة، سواء رضيت أم لم ترض بهذا التصنيف الذي كلما نشر عالميا وضع وزراؤنا أقنعة على رؤوسهم، واختفوا عن الأنظار؟، لا حاجة لتذكيرك أو لتذكير وزراء التعليم فمحركات البحث معطاءة وكريمة وبإمكان أي كان أن يجوب دواخلها ليستخرج الأرقام.
وحتى إن استغفرنا الله، واحتكمنا إلى أن إصلاح التعليم ليس بالأمر الهين، فماذا تقول عن حال المستشفيات وهيمنة المصحات بتكاليفها الباهظة، وغلاء الدواء وضعف الولوجية، وطول مساطر المواعيد ومعاناة المرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة مع المستشفيات والمصحات من جهة، ومع مؤسسات التغطية الصحية من جهة أخرى، وصعوبة تعويض جزء من التكاليف، وهيمنة التزوير والتلاعب بأثمنة العلاج، وإلزام المريض بدفع الشيكات قبل ولوج المصحات، وغياب الأطباء في المستعجلات والمراكز الصحية…وووو؟، مع كل الاعتذار للصحفيين اللذين حاوراك لأنه ربما لا علم لهما بهذه الأوضاع ههههههه، كل هذا يمكن تلخيصه في وصف واحد وهو: حالة القهر العظمى أو الأليمة جدا.
إن الوضع مؤلم ومبكي يا رئيس الحكومة، ولا حاجة فيه للمحاباة السياسية، ولا للمواراة ولا للالتفاف على الحقيقة، أما أوضاع الفلاحين والكسابة فتلك قصة فيها المطرقة على الرأس والسندان بجانب القلب، أما الغلاء المعيشي فهي قصة أكثر إثارة من قصص ألف ليلة وليلة، أما ما فعله السماسرة بالمغاربة في كل المجالات حتى أصبح المواطن رهينة لهم، فأنت أعلم بها لأنك رجل أعمال وتاجر تبغي الأرباح دون أن تلتفت إلى مصادرها أحيانا، أما ملف تأهيل مناطق الحوز وإعمارها والنظر إلى أهاليها بعين الرحمة، فيكفينا منك أنك ادعيت أنك تزور مناطق الحوز، في حين لم يسبق أن رأينا لك ولا لمن يطبل لأنشطتك مرأى يذكر، حتى نصدقك ونصدق كلامك، وأرقامك التي أعلنتها في بلاغ حكومي، ولم تستطع الدفاع عنها. وهنا لن نستقي من كلام المعارضة أرقاما، بل نتركك لمواجهة ضميرك، ولمواجهة مساعديك، ومن يمدك بأرقام الزور والبهتان.
ونسائلك السيد الرئيس في آخر هذا التعليق البسيط، هل ما ذكره وزير داخليتك عن التزود بالماء في القرى والمداشر صحيح؟، وماذا عن نفيه وجود أي حالة من حالات العطش رغم خروج المواطنين للاحتجاج في بعض القرى؟، وعن غياب تحركه في الميدان كي يرى بأم عينيه أوضاع الأراضي السلالية، وكيف تنزع ظلما وقهرا من ذوي الحقوق، بل وكيف تنزع الملكيات من أصحابها ومن المستثمرين، وها أنت ترى بعينيك يوم تحركت لجنة أو لجنتان من الداخلية وما خلصت إليه في ميدلت وانزگان وسيدي سليمان وغيرها؟؟.





