
وجه الممثل والبرلماني ياسين أحجام نداء عاجلا إلى الفنان المغربي للانخراط في العمل النقابي الفني من أجل الضغط على المسؤولين المعنيين لغاية تحسين أوضاعه. مشيرا في حوار مع “برلمان.كوم” إلى أن الحل الجذري لمعضلته لم يكن ولن يكون في الاقتصار على تلقي “الصدقات”. وأوضح أحجام من جهة أخرى، أن غياب بنية تحتية حقيقية للسينما المغربية يقلص من فرص نجاح أي منتوج، ويحكم عليه بالتخندق داخل إطار محدود مهما كانت احترافية إنجازه. مضيفا، كون أغلب الأعمال التي تلقى النجاح هي فقط تلك التي تدرج ضمن فعاليات المهرجانات. وبالرغم من تأكيده على تفوقه إلى حد ما في الموازنة بين مهامه الفنية والسياسية على حساب وقته ووقت أسرته، لم يخف أحجام اضطراره أحيانا إلى الاعتذار عن تأدية بعض الأدوار نتيجة ضغط الالتزامات. موضحا بأن اقترابه من الوسط الفني سيكون قيمة مضافة لتوظيفه من أجل الدفاع عن الفن وأهله بالقبة التشريعية.
ما هو تقييمك للحركة السينمائية المغربية في الوقت الراهن؟
بطبيعة الحال هناك تفاوت في مستوى الإنتاجات السينمائية المعروضة إجمالا على الساحة الوطنية. مع ملاحظة أن أغلب الأعمال التي تلقى النجاح هي تلك التي تدرج ضمن فعاليات المهرجانات سواء داخل أرض الوطن أو خارجه. فهذا هو النهج المعتمد في تسويق الصناعة السينمائية حاليا. غير أنه لابد من الإشارة إلى أن هناك أشرطة سينمائية استطاعت أن تنال إقبالا واسعا عن طريق الإنتاج الخاص، أي بدون الاعتماد على دعم المركز السينمائي المغربي كفيلم “الطريق إلى كابول” لمخرجه إبراهيم الشكيلي، والذي كان إنتاجه بمبادرة شركة خاصة قبل أن يلقى نجاحا باهرا كان من الممكن أن يكون أكبر لو توفرت بنية تحتية حقيقية للسينما الوطنية.
فيما تشخص ضعف هذه البنية التحتية؟
تعاني البنية التحتية في بلادنا من قلة عدد القاعات السينمائية، وحتى الصالات المتواجدة لا يستجيب أغلبها للشروط الأساسية الواجب توفرها لمتابعة العروض، وبعضها غير صالح بتاتا للعرض الفرجوي. يضاف إلى هذا، مشكل القرصنة الذي لم يعد يخفى التأثير الخطير الذي يلقي به على القطاع ككل، ومنعه المستثمرين من ضخ أموالهم في المجال السينمائي. فهذه العوائق إلى جانب أخرى يضيق الوقت للدخول في تفاصيلها تقلل من فرص نجاح أي منتوج، وتحكم عليه بالتخندق في إطار محدود مهما كانت احترافية إنجازه، أو المجهودات المبذولة لغاية إبداعه.
أنت الآن لست فقط برلماني، ولكن أول فنان يدخل القبة التشريعية. ما القيمة المضافة التي يمكن أن ينتظرها أهل الفن منك ومن هذه الخصوصية التي دشنتها؟
قربي من المجال الفني واشتغالي به المتواصل يتيح لي فهم المشاكل الحقيقية التي يعيشها، وهذا ما يفسر بأن كان أول سؤال طرحته في البرلمان على وزير الثقافة تعلق بالفنان المغربي والفوضى التي يتخبط فيها قطاعه، وكذا الظروف القاسية التي يعمل في ظلها. وليس ذلك فحسب، إذ يمكنني الاستدلال أيضا بأن سبق لي الإسهام في إطار مناقشة قانون المالية واشتغلت بشكل مكثف بشأن الرد الرسمي على البرنامج الحكومي في شق الفنانين ووضعية الثقافة بصفة عامة في البلاد.
في ظل هذه المزاوجة بين القبعتين، أي الوجهان يمكن أن نقول بأنه صار طاغيا على الآخر في شخص أحجام. هل الوجه السياسي أم الوجه الفني؟
لا هذا ولا ذاك، فإلى حد الآن ليس هناك أي تأثير للوجه السياسي على نظيره الفني أو العكس. صحيح أن الشخص هو نفسه، أي ياسين أحجام، لكن هناك انفصام تام بين الاهتمامين أو بالأحرى المسؤوليتين. إذ للعمل السياسي ضوابطه ومنهجيته، وللعمل الفني خصوصيته المستقلة.
من المعلوم أن توجهك الأول وحده يكلف مجهودا وتفرغا قد يستنزف كل الوقت. كيف هو تدبيرك لانشغالاتك الجديدة بالموازاة مع سابقاتها؟
لا أنكر بأن هناك إجهاد كبير وتعب مضن تأخذه مني ممارستي لهذين النشاطين سواء من وقتي الشخصي أو وقت أسرتي. لكن أحاول قدر الإمكان إيجاد موقع توفيقي بينهما، وذلك بدليل مشاركتي مؤخرا في العديد من الأعمال كسلسلة “بنات لالة منانة” التي قمت فيها بدور البطولة وكانت ضمن البرمجة الرمضانية الأخيرة. ناهيك على تأديتي لدور رئيسي في عمل كبير بعنوان “سوق الظلام” للمخرج إبراهيم الشكيلي رفقة مجموعة من الطاقات العربية. لهذا أقول بأنني أعتبر نفسي متفوقا إلى حد ما في كسب تحدي هذه المعادلة في التكافؤ.
أيعني هذا أنك لم تمر بمواقف عجزت فيها عن تحقيق التوازن؟
لم أقصد هذا بالتحديد. بل الأكثر من ذلك أعترف بأنه وعلى الرغم من أن مسألة تنظيم الوقت التي تحدثت عنها تكون خاضعة لمسطرة المهام النيابية الخاصة بالبرنامج السياسي، وأيضا لبرنامج التصوير الذي أحدده مع الشركة المنتجة تبعا لالتزاماتي السياسية، فإن هناك حالات لم أستطع معها الاشتغال على الجانبين. وكانت النتيجة أن اضطررت إلى الاعتذار عن بعض الأعمال جراء عدم التفاهم على مستوى الوقت والمواعيد.
بالعودة إلى وضعية الفنانين المادية بالخصوص، يلاحظ بأنه لا تكاد تمر أيام قليلة دون سماع خبر عجز ممثل عن تدبير مصاريف علاجه، أو موسيقي لم تجد أسرته مقابل دفنه. ماهو تصورك للقطع مع هذه الأوضاع المزرية؟
يجب الإقرار أولا بأن هذه العينة من المشاكل ترتبط بالمهن الحرة عموما في بلدنا وليس بالفنان فقط. ومن ناحية ثانية، فالفقر والغنى يوجد في الفن كما هو موجود في الحياة. ومثل ما هناك فنانين ميسورين، لدينا فنانين من الطبقة المتوسطة وآخرين في المرتبة الدنيا. ومما لاشك فيه أن هؤلاء الفنانين الذين يعيشون الفقر يجب التفكير جديا في خلق صندوق لرعايتهم اجتماعيا، حتى يكون لهم سندا مضمونا يقيهم إحراج السؤال ومد يد التسول.
الحديث عن الرعاية الاجتماعية وعن هذا الصندوق سمعناه كثيرا. لكن المكتوين الحقيقيين بالفاقة والعوز يتطلعون اليوم قبل الغد لتحسن ظروفهم..
جميعا نأمل في تغير الظروف للأفضل وبأسرع وقت. لكن وحتى يخرج القانون المنظم لهذا الصندوق إلى حيز الوجود لابد من تأطير أيام دراسية وعقد اجتماعات مع الهيآت الممثلة، وبذل مجهود كبير من قبل الفنان نفسه، لأن المطلوب من الفنان المغربي الآن هو ألا يبقى منتظرا لتلقي الصدقات وأن يبادر إلى الانخراط في العمل النقابي الفني من أجل الضغط على السلطة، ومن ثمة بلورة القوانين التي تخدم مصالحه بالمؤسسة التشريعية. فهذه هي رؤيتي للمضي إلى الأمام نحو الهدف الرئيسي. أما الاعتماد على مساعدة مسؤول أو إكرامية ميسور غيور لن تبلغنا المأمول، وستظل مساهمات معزولة وذات صبغة ترقيعية.
ما وجهة نظرك في وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي كرجل على رأس القطاع، وخلاصاتك لما بادر به منذ توليه المنصب إلى اليوم؟
رأيي باختصار في وزير الثقافة الحالي السيد محمد أمين الصبيحي هو أنه إنسان منصت. وقد استمع تقريبا، طيلة هذه الفترة التي أصبح فيها وزيرا، لكل الفعاليات والهيآت التي تمثل المجال الفني، كما خصص مواعيد كثيرة للتشاور معها في أمور جوهرية. وحتى أكون دقيقا، فهو يشتغل في الوقت الراهن على ملف الدعم المسرحي، وبطاقة الفنان وفق ضوابط جديدة. وبكل تأكيد فإن جميع هذه الانشغالات هي في صالح الفنان، بل ناضل من أجلها لسنين طويلة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرجل أعرب عن نيته في إصلاح القطاع، وتجاوز الهفوات التي شابته في مراحل سابقة من مسيرته. وشخصيا متفاءل جدا لمجهوداته وما يمكن أن تسفر عنها.




