الأخباررأي في قضيةمستجدات

يوم إعلامي من دون ماكرون.. لا خبر ولا صورة عن الرئيس الفرنسي لمدة 24 ساعة

الخط :
إستمع للمقال

كثيرا ما نسمع عن أيام وطنية من أجل تعبئة شاملة لمكافحة آفة من الآفات الاجتماعية مثل “اليوم الوطني بدون تدخين”، أو “اليوم الوطني بدون سيارات”، أو “اليوم الوطني بدون هاتف نقال”..

يختلف الأمر هذه المرة بعد أن قررت جمعية “من أجل الديمقراطية بالتلفزيون”، مدعومة بعدد من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، تنظيم “يوم إعلامي بدون ماكرون” يوم 16 نونبر القادم تزامنا مع اليوم الذي أعلن فيه ماكرون ترشحه للانتخابات الرئاسية سنة 2016.

وسيمر يوم كامل على الفرنسيين دون أن يسمعوا أو يقرأوا حرفا واحدا عن رئيسهم ماكرون، كرد على عملية “الاختناق الإعلامي” التي يمارسها الرئيس الفرنسي على الصحفيين المكلفين بتغطية النشاط الرئاسي، وكخطوة لتعميق النقاش حول ديمقراطية الإعلام في فرنسا وسيطرة الشركات الممولة للقطاع.

ويهيب نداء الجمعية بكل صحفي، الامتناع عن نشر أية صورة أو خبر أو تعليق، إيجابيا كان أم سلبيا، عن الرئيس ماكرون وتحركاته؛ وذلك من أجل مساعدة الفرنسيين على التخلص من ظهوره المكثف في وسائل الإعلام والذي يمثل، حسب الجمعية، “خطرا على ديمقراطية الإعلام في فرنسا”.

وقد اكتسحت أخبار ماكرون وزوجته، منذ قيامه بحملته الانتخابية إلى توليه الرئاسة، وسائل الإعلام برمتها، وغدت حتى بعض أنشطته البسيطة وأخبار زوجته بريجيت ماكرون التي تكبره بـ24 عاما، في قلب الصحف والقنوات التلفزيونية على مدار الساعة.

ويحذو رئيس الجمعية، ألبير كوليني، وهو باحث سوسيولوجي، الأمل في أن يدشن نداء “اليوم الإعلامي من دون ماكرون لنقاش مسؤول حول ديمقراطية الإعلام في فرنسا وأسباب هيمنة الرئيس على الكثير من وسائل الإعلام في البلاد و”توظيفها” لتلميع صورته أمام الرأي العام الفرنسي والعالمي.

وتشكو الصحافة البصرية اليوم من تخمة الظهور “الماكروني” المفروض عليها في غياب نصوص تلزم المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري تقليص حصة النشاط الرئاسي. وفي هذا السياق، تقدم النائب الاشتراكي، ديديه ماتيوس، بشكاية إلى المجلس عن احتلال ماكرون نصف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بشكل أصبح مفروضا على الشعب الفرنسي. وهو ما اعتبره أمر غير دستوري يخرج عن مسار الديمقراطية.

ولا يمر يوم واحد دون أن يحل ماكرون ضيفا على واحدة أو اثنتين من أهم القنوات الفرنسية ليضمن “الخدمة بعد البيع” لخطبه الأسبوعية، كما علق بسخرية الخبير الإعلامي، جان غودوا، عن جمعية “من أجل الديمقراطية بالتلفزيون”. وككل أسبوع تتصدر صورة ماكرون الصفحات الأولى في العديد من الصحف والجداريات والأكشاك، بينما تتداول المحطات الإذاعية أخباره على مدار الساعة. وأثناء غيابه، تنوب عنه عقيلته بريجيت التي كانت طيلة السنة نجمة الصحافة بامتياز.

وتبدأ عملية تشخيص وفحص أنشطة وبرامج الرئيس الفرنسي منذ الساعات الصباحية الأولى حيث يشرع الناطق باسم الإليزيه في البحث مع الفريق الصحفي المكلف بتغطية الأنشطة الرئاسية، التفاصيل الخاصة بتنقلات الرئيس، بدءا من المسافة على الأقدام حتى سيارة الرئيس، وتموضع الكاميرات وآلات التصوير، والديكور الخلفي، والحواجز الطرقية، وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة التي يحرص عليها بإلحاح السيد ماكرون.

وتكرس أجندة الرئيس المكثفة حالات من النفور والتردد والملل في أوساط الصحافة الرئاسية. “لا يمكننا مسايرة وثيرة التنقلات الماكرونية”..”سئمنا الجري يمينا وشمالا على أهواء الرئيس”..”لم نعد نتحمل طواف فرنسا الذي خطه ماكرون ومعاونوه”، كلها عبارات تنم عن موجة الغضب التي تكتسح الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية ومن بينها محطة “كنال بلوس” التي لم يفت مدير تحريرها، بيرنار زكري، أن أعلن أن ماكرون هو الذي يختار الميدان، يدير الجوقة ويرسم لها وثيرة الأداء وفق ميولاته ورغباته. “فبينما شيراك كان يكتفي ببلاغات يختزل فيها النشاط الرئاسي مع قليل من التنقلات، وفرانسوا هولاند يفضل العمل بشيء من التكتم، يطلع علينا ماكرون بأجندته الواسعة حبا في الظهور وسعيا إلى كسب نقط ارتكاز شعبية جديدة”.

ويتناغم تصريح غيوم دوبوا، مدير تحرير القناة الإعلامية بي.إبف.إيم، مع موقف وكالة الأنباء الفرنسية، من حيث وجوب تغطية أنشطة الرئيس على بساطتها أحيانا، وانطلاقا من ذلك يمكن التعامل مع حجم القصاصة وفق عنصر الأهمية، بينما ترك فيليب ريدي، وهو معتمد من جريدة لوموند، لنفسه هامش التصرف بين الكتابة أو المرور على الحدث وفق تقديراته الشخصية.

وفي خطوة غير مسبوقة، قررت باتريس ماشوري عن القناة الفرنسية الثالثة، الامتناع عن تغطية وقائع الزيارة التي قام بها ماكرون قبل أسبوعين لمنطقة الألزاس، لسبب بسيط لخصته كالتالي : “ليس في الحدث ما يستدعي تغطية إعلامية حثيثة”. أخذت إدارة التحرير في البداية كلامها بنوع من الاندهاش، وتبين لها بعد التحريات أنها على صواب.

ويثير التمظهر المفرط للرئيس ماكرون وسعيه إلى الاستحواذ على وسائل الإعلام باختلاف أطيافها، تساؤلات عديدة عن دور المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري خاصة وأن الأغلبية والمعارضة مجتمعتين ومعها الحكومة، لا تأخذ سوى الثلث في الحصص المتلفزة والباقي للرئيس ماكرون. وهي تساؤلات تشغل بال المجلس الذي ينكب حاليا على إيجاد صيغة تكرس التعددية اللازمة. وفي انتظار صدور قرار بهذا الشأن في نهاية السنة، حسب مصادر مطلعة، يواصل ماكرون ماراطونه الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى