اخبار المغربسياسةمستجدات

ما بعد قرار مجلس الأمن.. يونس معمر يدعو إلى تعبئة وطنية لاستثمار ثمار السيادة وممارسة الحق في الانتفاع

الخط :
إستمع للمقال

أكد عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، يونس معمر، أن المرحلة التي أعقبت صدور قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء المغربية في 31 أكتوبر 2025، تفرض تعبئة شاملة لكل الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين، وفي مقدمتهم الأحزاب الوطنية، من أجل مواكبة الدينامية المتجددة التي يقودها الملك محمد السادس دفاعًا عن الوحدة الترابية وتعزيزًا لمكانة المغرب بين الأمم.

وأوضح معمر، في مداخلته خلال الندوة الوطنية التي نظمها الحزب تحت عنوان “50 سنة من المسيرة الخضراء ما بعد 31 أكتوبر: تكريس السيادة وترسيخ الوحدة الترابية”، أن المغرب يقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة من مسيرته التاريخية نحو استكمال السيادة، وهي المرحلة الثانية التي وصفها بأنها انتقال من ملكية الأرض إلى ممارسة الحق في الانتفاع بها.

وقال إن المرحلة الأولى، التي امتدت منذ المسيرة الخضراء إلى غاية القرار الأممي الأخير، كانت مرحلة تثبيت الملكية والسيادة على الأرض، بينما تقتضي المرحلة الثانية التمتع الفعلي والسلمي بثمار هذه الملكية، أي الانتقال من رمزية السيادة إلى واقع الانتفاع، ومن الشعارات إلى الإنجاز العملي الملموس.

وأضاف أن هذا الانتفاع لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس النية الصادقة والإنصاف والمصالحة بين جميع المغاربة، مشيرًا إلى أن المغرب مطالب اليوم باستكمال هذه المرحلة في إطار الدينامية الوطنية التي انطلقت قبل ست وعشرين سنة، وهي دينامية ثلاثية الأبعاد تقوم على التنمية الاقتصادية التي ضاعفت الناتج المحلي ثلاث مرات ليس عبر تصدير المواد الخام، بل من خلال تقوية النسيج الاقتصادي والصناعي، وعلى التحول الديمقراطي وتعزيز الحريات من خلال الإصلاحات الكبرى في مدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون الإضراب وقانون الصحافة، ثم على ترسيخ الدولة الاجتماعية كآلية لتوطيد التضامن وضمان الكرامة في إطار دولة حديثة ومتوازنة.

وأكد معمر أن هذه المرحلة لا يمكن أن تنجح إلا بالتوازي مع تفعيل الجهوية المتقدمة ومواصلة مكافحة الفساد وتحسين الحكامة وتعزيز الأخلاق في العمل العام، لأن الانتفاع الحقيقي من السيادة لا يكون بالرموز فقط، بل بالمؤسسات والنتائج.

وأشار إلى أن هذه المرحلة الثانية يمكن أن تكون الوقود الذي يدفع المغرب إلى مدار جديد يضعه ضمن صفوف الدول الصاعدة، مستشهدًا بقول الراحل عبد العزيز بلال، أحد رواد اقتصاد التنمية، الذي شدد على أن العوامل غير الاقتصادية، وعلى رأسها الهيكلة المؤسساتية المحلية، هي المفتاح الحقيقي لأي إقلاع تنموي.

وفي هذا السياق، شدد معمر على أن مركزية الدولة القوية تظل شرطًا أساسيًا لاستدامة هذه الدينامية، لأنها هي التي حفظت للمغرب تماسكه عبر القرون وجعلته من أعرق الأمم في العالم، مبرزًا أن المملكة مطالبة باليقظة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، خصوصًا في ظل ارتفاع الإنفاق العسكري إلى أكثر من عشرة في المئة من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة لا تسجلها إلا الدول التي تدرك حجم التهديدات المحدقة بسيادتها.

وقال إن دور الأحزاب السياسية سيكون محوريًا في هذه المرحلة الوطنية الكبرى، مذكرًا بما قاله الملك محمد السادس في أول حوار له مع مجلة تايم سنة 2000: “لا يمكنني أن أفعل كل شيء لوحدي، يجب علينا جميعًا أن نشمر عن سواعدنا”.

وأضاف أن اليقظة مطلوبة اليوم حتى لا يُفرغ حق الانتفاع من مضمونه العملي والسيادي، موضحًا أن رموز السيادة — العلم الوطني، إمارة المؤمنين، العملة الوطنية، الجيش، الأمن، الضرائب، العدالة الاجتماعية — هي ركائز غير قابلة للنقاش، ويجب أن تواكبها اقتصادات وطنية منتجة وأنظمة ضريبية عادلة تخلق الثروة وتعيد توزيعها بإنصاف.

وحذر معمر من تكرار أخطاء الماضي قائلاً إن التاريخ علمنا أن تجاهل أصوات الشباب كان خطأ مكلفًا، فلو أن الأحزاب في السبعينيات استمعت لشباب الصحراء الذين نادوا ضد الانتهاكات الإسبانية واحتوتهم، لتجنبنا كثيرًا من المنعرجات. وأكد أن الوقت حان اليوم لإعادة بناء الثقة وفتح صفحة جديدة مع جميع المغاربة في الداخل والخارج، معتبرًا أن السياسة ليست فقط قرارات، بل أيضًا رمزية واعتراف.

وفي بادرة رمزية جريئة، دعا معمر إلى إطلاق اسم الولي مصطفى السيد، مؤسس جبهة البوليساريو، على أحد شوارع العيون أو طانطان، في إطار مصالحة رمزية وتاريخية تعيد الاعتبار للبعد الإنساني في هذا الملف، وتؤكد أن المغرب لا يخشى المصالحة لأنه واثق في مشروعيته وسيادته.

كما دعا إلى إجراء إحصاء حقيقي لسكان المخيمات لمعرفة من يُتفاوض باسمه، تمهيدًا لتسوية إنسانية وسياسية عادلة، مشيرًا إلى أن اختصار بوليساريو فقد اليوم قيمته الفعلية، وأن الأهم هو النظر إلى الرجال والنساء الذين يقفون خلف المصطلحات وإلى نضالاتهم التي استمرت نصف قرن، والتي يجب أن تُفهم لا كهزيمة، بل كجزء من مسار استعادة الكرامة والأمل والسعادة التي حلم بها شباب المغرب منذ عام 1975.

وفي المقابل، وجّه معمر رسالة حازمة إلى كل من حوّل ملف الصحراء إلى مصدر للربح أو المصالح الشخصية، قائلاً إن هؤلاء سيُعلنون إفلاسهم، ثم يختفون في صفحات التاريخ.

وشدد على أن مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أصبح اليوم قاعدة الحل الواقعي والنهائي، مشيرًا إلى ضرورة إعادة بناء حق الانتفاع على ركيزتين أساسيتين هما بناء مؤسسات ديمقراطية محلية في إطار الجهوية المتقدمة، وخلق الثروة وتوزيعها بعدالة بين الجهات والمواطنين.

وأوضح أن المغرب قدّم منذ سنة 2007 مشروعًا متكاملًا للحكم الذاتي بصيغة أولية تركت الباب مفتوحًا للتطوير والتكييف، وحان الآن وقت استكمال البناء وإطلاق النسخة الكاملة لهذا المشروع الوطني الرائد.

وأكد معمر أن الدبلوماسية السياسية لا يمكن أن تكون مؤثرة ما لم تستند إلى مصداقية داخلية صلبة تقوم على المصداقية في التنمية والديمقراطية، وتسريع الجهوية المتقدمة، ومحاربة الريع وإرساء اقتصاد منتج ومبتكر.

وفي ختام مداخلته، شدد عضو المكتب السياسي على أن حزب الأصالة والمعاصرة ملتزم بالقيام بدوره كاملاً في هذه المرحلة الوطنية الثانية، مشيرًا إلى أن ثمار هذا الالتزام بدأت تظهر من خلال شراكات ثنائية مع أحزاب مؤثرة مثل حزب MK Party في جنوب إفريقيا بقيادة فخامة جاكوب زوما، والحركة الإصلاحية في بلجيكا، إلى جانب تكتلات أوروبية وإفريقية أخرى.

كما أعلن أن المغرب سيحتضن في مارس 2026 مؤتمر Renew PAC السنوي التابع للمنظمة الليبرالية الدولية، التي انضم إليها الحزب العام الماضي، حيث سيتم خلاله طرح مفهوم التنمية والديمقراطية من منظور جديد.

وختم معمر كلمته بالتأكيد على أن هذه المرحلة الثانية من المسيرة المغربية، مرحلة الانتفاع بالسيادة، تتطلب تعبئة جماعية وتضحيات صادقة، مترحمًا على شهداء القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية الذين سقطوا دفاعًا عن وحدة الوطن وسيادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى