
في مثل هذا اليوم قبل 27 سنة، 17 فبراير، اجتمع رؤساء دول المغرب العربي الخمسة: ملك المغرب الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بنجديد والرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بنعلي والرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع والرئيس الليبي السابق معمر القذافي في مراكش في إطار قمة مغاربية غير مسبوقة أعلنوا خلالها عن تأسيس اتحاد المغرب العربي.
وقد أمكن عقد تلك القمة والمرور إلى إحداث اتحاد جهوي مغاربي بعدما عرفت العلاقات المغربية-الجزائرية حالة انفراج وتحسن لم يسبق لها مثيل مند انتصاب الجزائر خصما للمغرب يناهض حقه في استرجاع أقاليمه الصحراوية ودعمها للانفصاليين بمعية ليبيا. ذلك الانفراج الذي انطلق قبل ذلك في قمة زرالدة بالجزائر قبل أقل من سنة، في 10 يونيو 1988، وكانت مناسبة أكد فيها الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بنجديد عن الشروع في مصالحة شاملة منفتحة على إعادة الروح للمشروع المغاربي بعد خطوات تصالحية سابقة في سنة 1983 ثم في 1987 بوساطة سعودية أدت إلى تطبيع العلاقات التي كانت مقطوعة بين البلدين الجارين منذ 1976 وفتح الحدود للمبادلات الاقتصادية وتنقل الأشخاص، الذين تربطهم علاقات عائلية في المناطق الحدودية للبلدين.
وبعد سنوات قليلة من انطلاق قطار اتحاد المغرب العربي، جاءت العمليات الإرهابية التي نفذها ثلاثة إرهابيين من أصل جزائري بقلب عاصمة السياحة بالمغرب مراكش، واستهدفت فندق أطلس أسني، لتفسد الود وتدفع المغرب إلى اتخاذ قرار إعادة العمل بتأشيرة الدخول إلى ترابه الوطني، بشكل مؤقت، نظرا لتوجسه من مناورات المخابرات الجزائرية التي تستهدف استقرار المغرب واقتصاده، وهو التوجس الذي جعله تصريح أحد عملاء المخابرات الجزائريين السابقين في محله في حكايته عن مشاركته في تتبع مجرى العملية وهروبه من قبضة الشرطة المغربية بعدها، لكن الجزائر، التي كانت قد دخلت حربا أهلية دموية، استغلت القرار المغربي المؤقت لتقرر إغلاق حدودها مع المغرب، وهو القرار المستمر منذ 1994 إلى الآن، والذي حرص الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على إدامته منذ توليه الرئاسة في سنة 1999 بحسابات أخرى ترتبط بعدائه الشخصي وبرغبته في خنق مدينة وجدة التي ولد وكبر فيها اقتصاديا في إطار سلوك انتقامي يصعب تفسيره.
ومنذ ذلك الوقت دخل اتحاد المغرب العربي إلى غرفة الإنعاش وبقيت أمانته العامة التي تناوب عليها وزراء تونسيون سابقون معطلة واستحال عقد الاجتماعات الدورية على مستوى القمة بالرغم من المحاولات المتكررة التي بذلتها مختلف الأطراف المغاربية، بما فيها المغرب، لثني الجزائر عن عدائيتها تجاه المغرب وعن نزعتها الهيمنية التي تضخمت بشكل مرضي بعد مجيء الرئيس بوتفليقة وارتفاع مداخيل البترول والغاز وانفصال جنوب السودان عن شماله، الذي كانت الدولة الجزائرية الدولة العربية الوحيدة التي استبشرت به والسباقة إلى تأييده.
وباستمرار النظام الجزائري في إغلاق الحدود مع المغرب و في سلوكه العدائي تجاهه ، وحتى تجاه باقي جواره المغاربي بهذا الشكل أو ذاك، وباستمراره في إهدار أموال الشعب في معاكسة وحدته الترابية والسعي إلى إلحاق الضرر به بشكل شامل في الساحة الإفريقية الدولية، يكون مسؤولا مسؤولية كاملة ليس فقط عن وضعية الشلل التي يوجد عليها الاتحاد المغاربي، بل وعن تواري ذلك الشعور الجميل بوحدة النضال الوطني والمغاربي والمصير المشترك الذي نما مع الحركات الوطنية المغربية أثناء معركة التحرر الوطني من الاستعمار وترسخ في أذهان ووجدان المواطنين المغاربيين بعد ذلك، وكان مكتب المغرب العربي، الذي ترأسه القائد المغربي الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي وانضم إليه ممثلو الحركات الوطنية آنذاك الأرض التي نبت فيها ليكبر بعد مؤتمر طنجة المنعقد سنة 1958 لدعم الثورة التحررية الجزائرية والشروع في وضع أسس الوحدة.
وقد كان بإمكان اتحاد مغاربي قوي ومتضامن أن يجنب المنطقة كثيرا من المشاكل التي واجهتها، والتي تواجهها الآن، وأن تتصدى مجتمعة وبخطوات منسقة للخطر الإرهابي الذي يهدد كل دولها وأن تتجاوز الاضطرابات الاقتصادية التي باتت تكتسي خطورة اليوم وأن تسرع النمو عبر التبادل والتكامل، لكن الجزائر فرضت عليها وضعا غير سليم ولا يخدم في النهاية مصالح الجزائر والشعب الجزائري وإنما يركز أوهاما لا علاقة لها بعالم اليوم والغد.
فهل يعود الوعي؟





