26 سنة من القيادة الحكيمة.. كيف جعل الملك محمد السادس من المغرب وجهة رياضية عالمية؟

شهد المغرب، على مدار 26 سنة من حكم الملك محمد السادس، تحولات هامة ومميزة في مختلف المجالات، كان للتوجه الرياضي فيها نصيب مهم لا يمكن إنكاره. فمنذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، لم يقتصر نشاط المغرب على الجوانب السياسية والاقتصادية فقط، بل اتخذ الملك محمد السادس مسارا رياضيا طموحا جعل من المملكة وجهة رياضية بارزة على الصعيدين القاري والدولي.
يأتي هذا الإنجاز الرياضي في سياق توسع المغرب في العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية داخل القارة الإفريقية والعالم، حيث عزز المغرب مكانته كفاعل رئيسي في الساحة الإفريقية والدولية، كما يعكس هذا التوجه متانة الرؤية الملكية التي تراهن على الرياضة كرافعة مهمة للتنمية الشاملة وتعزيز صورة المغرب عالميا.
المغرب وتوجهه الإفريقي.. استعادة الدور القيادي في الرياضة القارية
في هذا السياق، قال المحلل الرياضي أسامة البراوي، في تصريح لموقع “برلمان.كوم” بمناسبة عيد العرش أنه بعد عودة المغرب إلى منظمة الوحدة الإفريقية عام 2017، بدأ الملك محمد السادس يعزز التوجه الإفريقي بشكل جلي وواضح، حيث أصبح المغرب منقذا للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) من خلال تنظيم العديد من التظاهرات الرياضية القارية التي فشلت بلدان أخرى في تنظيمها.
وأضاف ذات المتحدث، أنه من بين هذه الأحداث استضافة كأس الأمم الإفريقية للمحليين 2018، التي كانت مبرمجة في الأصل لدولة كينيا، قبل أن يتولى المغرب تنظيمها بنجاح، كما يستضيف المغرب حاليا كأس إفريقيا 2024 للسيدات، إضافة إلى الاستعدادات لتنظيم النسخة القادمة 2026، التي ستكون ثالث مرة على التوالي تستضيف فيها المملكة هذه البطولة النسوية.
إلى جانب ذلك، استضاف المغرب الألعاب الإفريقية عام 2019 في الرباط، فضلا عن العديد من التظاهرات الرياضية القارية في مختلف الرياضات، سواء كانت جامعية أو فردية، مما يؤكد عمق التوجه الرياضي الإفريقي في المملكة.
محاولات تنظيم كأس العالم.. بناء البنية التحتية وتطوير الملاعب
لم يكن التوجه الرياضي للمغرب محصورا فقط في القارة الإفريقية، وفقا للبراوي، بل كان هناك توجه عالمي واضح عبر محاولات جادة لاستضافة كأس العالم. ففي سنة 2000، تقدم المغرب بطلب لاستضافة مونديال 2006، لكنه خسر المنافسة أمام ألمانيا بأصوات قليلة (14 مقابل 10)، كما ترشح في سنة 2004 لتنظيم كأس العالم 2010، وخسر أيضا بفارق ضئيل في الكواليس. وفي عام 2018، تقدم المغرب مجددا لتنظيم كأس العالم 2026 أمام الملف الثلاثي الأمريكي الشمالي (الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك)، لكنه خسر المنافسة لصالح الملف الأمريكي.
وأكد المحلل الرياضي، أنه رغم هذه الخسائر، استثمر المغرب بشكل مكثف في تطوير البنية التحتية الرياضية، حيث بدأ في بناء ملاعب جديدة مهمة وإعادة تحديث تلك الموجودة من قبل، مثل ملاعب طنجة، أكادير، ومراكش، الرباط، فاس ومراكش.
كما يبرز من بين هذه المشاريع الكبيرة ملعب بن سليمان الذي يُنتظر أن يكون الأكبر في القارة الإفريقية بسعة 115 ألف مقعد، مما يجعله مركزا رياضيا عالميا بارزا.
التوجه العالمي.. خطوات نحو تنظيم كأس العالم 2030
وفي سياق متصل، قال البراوي إن هذه التحضيرات والتطورات تأتي في سياق اختيار المغرب لاستضافة كأس العالم 2030، الذي من المتوقع أن يشهد مشاركة 48 منتخبا، ويشارك المغرب في هذا المشروع بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، كما يُظهر التزاما قويا عبر تحضيرات واسعة ومكثفة، مما يؤكد رؤية الملك محمد السادس التي تستند إلى إحياء إرث والده المغفور له الملك الحسن الثاني في جعل المغرب لاعبا رياضيا عالميا وقاريا.
المغرب لم يكتفِ بكرة القدم فقط، يردف المتحدث نفسه، بل نظم مسابقات مختلفة تحت إشراف الفيفا، منها بطولات الفوتسال للرجال والسيدات، ما يعكس اهتمام المملكة بتنمية مختلف الرياضات وتقديم نفسها كوجهة رياضية متكاملة.
الأبعاد السياسية والاقتصادية للرياضة.. تعزيز موقع المغرب على الساحة الدولية
بالإضافة إلى الجانب الرياضي، كان لهذا التوجه انعكاسات سياسية واقتصادية قوية حسب ذات المصدر. فقد تمكن المغرب من استعادة الاعتراف بمغربية الصحراء، حيث سحبت العديد من الدول اعترافها بـ”الجمهورية الوهمية”، وبدلا من ذلك اعترفت بالسيادة المغربية وبمخطط الحكم الذاتي.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد شهد المغرب توسعا كبيرا في علاقاته مع دول الجنوب الإفريقي، معززا مكانته السياسية والاقتصادية كأحد أبرز الفاعلين في القارة.
كما أن استضافة التظاهرات الرياضية الكبرى على المستوى القاري والعالمي، يشدد البراوي، تساهم بشكل مباشر في الترويج للسياحة المغربية، حيث يجلب تنظيم مثل هذه التظاهرات أعدادا كبيرة من السياح والمشجعين الذين يكتشفون المملكة ويتعرفون عليها كوجهة سياحية وترفيهية متميزة.
الرياضة المغربية في عهد الملك محمد السادس.. إنجازات وبنية تحتية متطورة
لا يمكن قراءة التوجه الرياضي للمغرب في عهد الملك محمد السادس بمعزل عن التحولات البنيوية التي شهدتها المملكة، ولا عن الرهانات الاستراتيجية الكبرى التي وضعتها القيادة السياسية لتثبيت موقع المغرب قاريا ودوليا. فالرياضة، في هذا السياق، هي أداة دبلوماسية فاعلة ورافعة للتنمية الشاملة، تم توظيفها بدقة ضمن رؤية سيادية شاملة تمزج بين التأثير الناعم وبناء القوة الصلبة.
وفي هذا الصدد، فقد أدرك المغرب مبكرا أن الرياضة، بما تحمله من رمزية عالمية وجاذبية جماهيرية، قادرة على تجاوز المواقف السياسية الجامدة، وفتح قنوات جديدة للانفتاح والتأثير، خصوصا في القارة الإفريقية حيث تلعب المشاعر الرياضية والانتماء القاري دورا محوريا في تشكيل العلاقات بين الشعوب، كما أنه عبر تبنّي دبلوماسية رياضية ذكية، نجح المغرب في تحويل تظاهرات رياضية إلى مساحات للقاء وتبادل وتثبيت شرعية حضوره الإقليمي والدولي.
وفي العمق، لا يتعلق الأمر فقط باستضافة بطولات أو بناء ملاعب، بل بتشييد صورة ذهنية جديدة للمغرب كقوة إقليمية ناعمة، حديثة، قادرة على التنظيم والانخراط الفاعل في الأحداث العالمية، مع المحافظة على استقرار سياسي وبنية تحتية حديثة، ما يمنحها تفوقا تنافسيا على عدد من الدول ذات الموارد الأكبر.
هذا التموقع الجديد للرياضة المغربية يندرج ضمن هندسة شاملة للنفوذ المغربي، حيث تتقاطع الرياضة مع السياسة والاقتصاد والثقافة. فمن خلال الرياضة، عزّز المغرب حضوره في إفريقيا، وروّج لصورة دولة مستقرة قادرة على استضافة كبرى التظاهرات، وكرّس مشروعية مشروعه في قضية الصحراء، التي بات الاعتراف بمغربيتها يتعزز بموازاة النجاحات الميدانية والتنظيمية.
بل إن تحوّل المغرب إلى شريك رئيسي في ملف تنظيم كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، يمثل لحظة مفصلية تعكس انتقال المملكة من مجرد طامح إلى لاعب مركزي في المشهد الرياضي العالمي، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا التراكم الاستراتيجي في القرارات والرؤى والبنيات التي تم وضعها على مدى أكثر من ربع قرن.
وفي النهاية، فإن التجربة الرياضية المغربية في عهد الملك محمد السادس تمثل نموذجا ملهما لكيف يمكن توظيف قطاع الرياضة ضمن مشروع وطني متكامل، يتعدى هدف صناعة الأبطال أو احتضان البطولات، إلى صياغة سياسة دولة تُراهن على التأثير، وتُعيد تعريف أدوارها وموقعها من خلال أدوات العصر، وفي مقدمتها الرياضة.





