أحسن القول...البلاء موكل بالمنطق

استمعوا لبرلمان راديو

برلمان.كوم - بقلم: د. بلقيس أحمد الكبسي 19:54 - 20 سبتمبر 2022

أحسن القول…البلاء موكل بالمنطق

وما زلت لا أخفي اعجابي بعبارات ذات مدلول إيجابي وحسن من الدارجة المغربية تلك العبارات يعود أصلها إلى اللغة العربية الفصحى منها عبارة (لا بأس) وهي من العبارات الجميلة وحسنة المنطق التي يتداولها المجتمع المغربي من أدنه إلى أقصاه، (لا بأس) التي تعني لا حزن ولا عذاب ولا شدة ولا بؤس ولا حرب ولا مصائب ولادواهي ولا شدائد ولا خبت ولا خبث ولافقر، عبارة (لا بأس) هي رمز التحية في المغرب التي تحمل دلالات تبشر بالخير وتدفع الشر ، (لا بأس) تحية صباحية مسائية تقال في كل الأوقات وشتى اللحظات لا حدود لزمانها ولا لمكانها ، تبتسم وأنت تسمعها عشرات بل مئات المرات في الحي و السوق والشارع و مكان العمل .

أينما توجهت لا بد أن تترامى إلى مسامعك تحية (لا بأس) وهي تحمل في مضامينها التفاؤل والمنطق الحسن وكما قيل في الأثر “القضاء أو البلاء موكل بالمنطق أو القول” ويعني هذا القول أن ما ينطقه المرء على نفسه خيراً كان أم شراً سيلحق به، فإذا دعا على نفسه بمكروه أو شر قد يصادف فيه هلاكه، فعبارة “القضاء أو البلاء موكل بالمنطق أو القول” توافق ما جاء في الحديث الشريف : “لا تدعوا على أنفسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا تُوافقوا من اللهِ تعالى ساعةَ نَيلٍ فيها عطاءٌ، فيستجيبَ لكم” رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وهذا الكلام لا يقال جزافاً أو محظ خرافة وتخمين بل هو قول مجرب لحوادث وقعت نتيجة نطق أصحابها بها وتكرارهم لها حتى اصابتهم ولازمتهم لحكمة ما، والحكمة مقرونة بالتجربة، “القضاء أو البلاء موكل بالمنطق أو القول” هي عبارة تعني حذار أن تنطق بالشر فيأتيك وهي نفسها ما تم صبغها بمسحة عصرية فأطلق عليها اسم (قانون الجذب) حتى تبدو مستحدثات وابتكارات عصرية وهي في الأصل إرث وتراث ، هكذا هي الحداثة والعصرية تغير أسمالها لتبدو متأنقة في أثواب جديدة حيكت بإرث قديم وتراث أصيل. وكم هي حاجتنا لإرثنا وتراثنا بقدمه وأصالته ومنافعه الجمة، كم هي حاجتنا للتعلم من تجارب الآخرين والأخذ بمنطقهم الحسن وترك وتجنب تكرار قول يجلب علينا المصائب والعثرات والشدة والحزن والفقر والهلاك، فالكلمة في حياة الإنسان فارقة ولها أثر كبير سواء كانت حسنة أم سيئة، فالإنسان في هذا الوجود ما هو إلا كلمة حسنة، ولغة بينة، وقيمة خيرة، يتجنب ما يجلب عليه السوء والشر والعبارات المشوهة.

وعلى سبيل المقارنة بين الشعوب والمجتمعات نجد أن هناك مجتمعات تتداول عبارات دارجة تكاد تكون لصيقة بها قد تعي مغزاها وأحيانا كثيرة تقولها جزافا متوارثاً وهو لا تعي معناها ومدلولها، على سبيل المزاح والدعابة وكثيراً ما يتبادر إلى مسامعنا عبارات يتداولها (مجتمع عربي بعينه ) ذات مدلولات لا تبشر بخير منها على سبيل المثال ( يخرب بيتك / ربنا يخادك/ قدتك داهية …) وغيرها من العبارات التي تدل على الخراب والشر والدعوات بالنكبة والمصائب، ليست مفارقة عجيبة أن نجد تلك المصائب والشرور التي نطق بها أصحابها تحاط بهم كأنها أقدارهم اللصيقة بهم من فرط تمسكهم بها وترديدهم لها، أليس هذا هو نفسه قانون الجذب …؟! في الوقت نفسه نجد مجتمعا عربيا آخرا يتداول بعض العبارات التي تحمل مدلولات الشر والحرب والقبر والدفن كما هي كلمة (تؤبرني.. التي تعني تقبرني أو تدفنني) التي تقال غالباً للتعبير عن المحبة والاعتزاز، وكم شاهدنا على مرئ ومسمع العديد من الأسر والعائلات الثكالى والمنكوبة في أحبابها وأقاربها وهي تدفنهم حسرة وألم وكأن منطقهم الذي قالوه عن جهل قد تحول إلى أتراح لاصقتهم من فرط تكرارهم لها. أحسنوا القول فالبلاء موكل بالمنطق تخيروا ألأفاظ الخير وأبتعدوا عن جذب ألفاظ الشر، دمتم في جذب الخير.


الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم

اترك تعليقا :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *