اخبار المغربمجتمعمستجدات

أكادير.. احتجاجات “مستشفى الموت” تفضح شعار الدولة الاجتماعية وتُعري تهاون المسؤولين

الخط :
إستمع للمقال

شهدت مدينة أكادير، أول أمس الأحد، احتجاجات غاضبة أمام المستشفى الجهوي الحسن الثاني، الذي لم يعد الناس يصفونه إلا بـ”مستشفى الموت”، بعد أن تحوّل إلى رمز للتسيّب، وسوء التدبير، وانعدام الخدمات الصحية الأساسية. هذه الاحتجاجات الصاخبة دفعت وزير الصحة، أمين التهراوي، إلى القيام بزيارة للمستشفى صباح اليوم الثلاثاء 16 شتنبر 2025، في خطوة وُصفت بأنها مجرد حركة شكلية لا يُنتظر منها الكثير، لأن جوهر الأزمة أعمق من مجرد زيارة عابرة لمسؤول حكومي.

ما يحدث اليوم في أكادير ليس وليد اللحظة، بل نتيجة مباشرة لسياسة خوصصة القطاعات الاجتماعية التي تبنّتها الحكومات المتعاقبة، وبلغت ذروتها مع حكومة عزيز أخنوش، فالمستشفيات العمومية تُترك لتنهار تحت وطأة الإهمال، بينما يُدفع المواطن مُكرها نحو المصحات الخاصة التي تمص دماءه بلا رحمة ولا شفقة. والكارثة أن على رأس وزارة حيوية مثل الصحة وُضع مسؤول لا علاقة له بالقطاع، ولا دراية له بتعقيداته، اللهم ولاؤه الحزبي والسياسي لرئيس الحكومة.

في المقابل، لا يمكن أن ننكر أن الملك محمد السادس أطلق أوراشًا استراتيجية كبرى في مجال الحماية الاجتماعية، رُصدت لها إمكانيات ضخمة، وكان يُنتظر أن تُمكّن المواطن المغربي من خدمات صحية تليق بكرامته، بينما الواقع على الأرض يكشف فشلًا ذريعًا للحكومة في تنزيل هذه المشاريع، والدليل هو احتجاجات المواطنين أمام المستشفيات، ومطالبتهم فقط بحق العلاج داخل المستشفى العمومي، بدل أن يُتركوا رهائن للمصحات الخاصة.

وفي الوقت الذي تنهار فيه الخدمات الصحية داخل المستشفى الجهوي الحسن الثاني، تعرف أكادير، بالمقابل، طفرة غير مسبوقة في ولادة المصحات الخاصة بوتيرة سريعة. واقعٌ يجعل المواطن البسيط مُجبَرًا على طرق أبوابها، بعدما يسد المستشفى العمومي في وجهه كل سبل العلاج، ليجد نفسه مطالبًا بأداء مبالغ مالية باهظة تفوق قدرته، في استنزاف يومي لجيوبه وكرامته، لتتحول صحة المواطن إلى سوق مفتوح، حيث تغيب العدالة الصحية وتحضر لغة المال وحدها، في تجسيد واضح لسياسة الخوصصة التي تُفرغ شعار “الدولة الاجتماعية” من كل مضمون.

وما يزيد الأمور تعقيدا أن الوضع داخل المستشفى الجهوي الحسن الثاني متردٍ إلى أبعد الحدود، في ظل غياب شبه يومي للأطر الطبية التي يُفترض أن تلازم أقسامه، بينما يتواجد عدد كبير منها داخل المصحات الخاصة التي فتحت شهيتها على حساب معاناة المواطن البسيط، بل إن بعض الأطباء فضّلوا الهروب نهائيًا نحو القطاع الخاص، هربًا من ضغط المستشفى العمومي الذي يستقبل، ليس فقط مرضى جهة سوس ماسة، بل أيضًا حالات قادمة من الأقاليم الجنوبية، دون أن يتوفر على الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية الكفيلة بتلبية حاجيات المرضى ومطالبهم المشروعة، وهنا يظهر تهاون الوزارة وباقي الجهات المتداخلة.

ولم يزد الطين بلة سوى الخرجة الإعلامية الأخيرة للمديرة الجهوية للصحة بسوس ماسة، لمياء شاكري، التي جرى إعفاؤها سنة 2022 من نفس المنصب بجهة مراكش آسفي قبل أن يُعاد تدويرها وتعيينها بأكادير. هذه المسؤولة التي لا يعرفها الرأي العام إلا من خلال صور المناسبات، ولا تتواصل مع الإعلام ولا مع المواطنين، وجدت نفسها هذه المرة مكرهة على الظهور بسبب الضغط الشعبي والاحتجاجات المتواصلة، غير أن خرجتها لم تحمل حلولاً أو أجوبة عملية، بل مجرد تبريرات واهية لا تقنع أحداً، حتى أن الكثيرين تمنوا لو أنها لم تخرج أصلاً. بل الأخطر أن ما صرحت به زاد من غضب الساكنة، ودفع نشطاء منصات التواصل الاجتماعي وسكان الجهة إلى الدعوة لتنظيم مسيرة مليونية الأحد المقبل، من أجل الضغط لتحقيق مطالبهم المتجلية في الحق في العلاج والخدمات الصحية في ظروف تحفظ كرامة المواطن المغربي.

وتوضح هذه الخرجة سبب تحرك وزير الصحة، أمين التهراوي، لزيارة المستشفى صباح اليوم، حيث بدا أن الحكومة لا تتحرك إلا تحت ضغط الشارع وغضب المواطنين، وليس بدافع إرادة حقيقية لإصلاح القطاع الصحي العمومي أو الاستجابة لمطالب المرضى.

الأدهى من ذلك أن كل هذه الكوارث تجري في غياب تام لمسؤولي الجهة، الذين ظلّت تُوجَّه إليهم نداءات متكررة للتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، دون أن يحركوا ساكنًا، إلى أن خرج المواطنون للشارع محتجين أمام المستشفى، بعدمت صار الصمت واللامبالاة عنوان المرحلة، بينما يزداد الوضع سوءًا يومًا بعد يوم.

إن حكومة أخنوش، التي زعمت أنها جاءت من أجل “الدولة الاجتماعية”، لم تجلب معها سوى الغلاء، والإحباط، والاحتجاجات، فبالأمس خرج الناس في مسيرات يطالبون بالماء والطرق وحقهم من التنمية وبحقوقهم في الأراضي السلالية، واليوم يحتجون على المستشفيات، وغدًا لا أحد يعرف أي قطاع سيلتهب، والسبب واحد: اختيارات أخنوش لبروفايلات وزارية لا علاقة لها بالسياسة ولا بالتدبير العمومي، وزراء عاجزون حتى عن الخروج للإعلام لمصارحة المواطنين، فما بالك بالحلول الناجعة للأزمات المتراكمة.

إن ما يقع اليوم في مستشفى الحسن الثاني بأكادير ليس إلا مرآة عاكسة لسياسات العبث التي تنهجها الحكومة، وهو إنذار واضح بأن صبر المواطنين بدأ ينفذ، وأن الشرارة التي انطلقت من أكادير قد تمتد إلى مدن أخرى، ما لم يتم تدارك الوضع بإجراءات حقيقية تعيد الاعتبار للقطاع الصحي العمومي، بدل الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى