الأخبارمجتمع

الانتحار و”صناعة الموت” قضايا تسائل المجتمعات بإلحاح

الخط :
إستمع للمقال

أصبحت قضايا الموت، مع ما يصاحبها من “تطبيع يومي وتعايش” قد يبدو لا مباليا، تسائل المجتمعات الحالية بإلحاح خاصة مع ما يطلق عليه “صناعة الموت”،والتي تخصّ بشكل عام الفعل الإرهابي، ومنه على وجه خاص الحامل مبدئيا لوازع ديني معين بمرجعية متطرفة.

لكن الغريب، أن استحضار البعد التاريخاني المجتمعي يكشف عن “صناعة موت” قديمة- متجددة تبدو موضوع تغييب، وهي تلك المرتبطة بتعنيف النساء بكل الأشكال، وهو عنف لا يحصد فقط مسارات الحياة، بل أيضا يحصد الأرواح.

تعيش المجتمعات “صناعة موت” في تطبيع منظم ومهيكل اجتماعيا، حيث يصعب مثلا أن نعرف “كيف يعيش الإنسان العربي والمسلم هذا الصنف من الموت كفقد وغياب؟ وكيف يتمّ من خلاله الشعور بالنهاية الحتمية “في هذه الحالات”؟

في هذا الصدد أوردت “مؤسسة مؤمنون بلا حدود” دراسة ميدانية، تتطرق من خلالها للمقاربة السوسيولوجية للموت انتحارا، وتسلط الضوء أكثر على التعنيف الجنسي والجسدي الذي ينتج عنه الموت أو الانتحار.

تشير الدراسة إلى أن قضايا الموت أصبحت، مع ما يصاحبها من “تطبيع يومي وتعايش”، تسائل المجتمعات الحالية بإلحاح خاصة تلك التي ترتبط بالعنف، الذي يسفر في النهاية عن خسائر كبيرة.

واعتمادا على بعض الإحصائيات المتداولة من طرف الأمم المتحدة، يتبين أن 53% من نساء العالم هن ضحايا عنف جسدي أو جنسي، من طرف رجل شريك حميمي أو قريب، ويصل هذا الرقم في بعض البلدان إلى 6 في المائة.

الرقم الاستشهادي الذي يهمنا هنا، هو الذي يسجل بأن من مجموع النساء اللواتي قتلن في سنة 2012 يصل إلى 7 %،
تمت تصفية نصفهن على يد رجال تربطهم بهن قرابة أو عالقة حميمية، وفقط 6 %من الرجال وفي السنة نفسها قتلوا في نفس الظروف.

تبين الدراسة نفسها، أن المنطلق المفاهيمي المحدد لمسألة الموت عبر الانتحار في علوم الاجتماع والأننثروبولوجيا، مدخل مسعف لمحاولة بلورة بعض المعاني، وتكمن قوة وجاهته في أنه مدخل ينطلق من واقع معيش، مؤلفوه ومؤلفاته من أفراد هم أنفسهم يحملون تصورات وتمثلات حوله.

حيث أن البناء المفاهيمي لهذين الحقلين المعرفيين يطرح “الموت” كشأن إنساني متعدد الأبعاد، من حيث تداخل وتعقد أسبابه الفردية الشخصية والمجتمعية واللإيكولوجية.

إن معالجة هذه الإشكالية بالإعتماد أساسا على مؤلف “الانتتحار… دراسة سوسيولوجية”، يجعلنا نقف أمام مسألة “الموت” من مدخل انتحار المغتصبة جنسيا، خاصة في إطار ثقافة ذات بعد ديني إسلامي أو توحيدي عموما.

وبالتالي فالطرح المقترح لقراءة وفهم الانتحار غير مستوفي نظريا. لهذا، فالمعالجة الاختلافوية للانتحار عند إميل دوركايم تطرح تناقضات ومفارقات.

خصوصا وأن الطرح الديني الإسلامي للانتحار، غير متناسق مع انتحار المرأة المغتصبة، بل أبعد من ذلك، فهو يفصح عن تناقضات، قد تطعم شرعية الطرح الفكري الإشكالي لهذه الورقة، وهو ما نبلوره في السؤال التالي:

هل موت المعنفة جنسيا في حالة الانتحار يوازي قتل نفس، أم قتل قيمة تختزل في جسد، وهي”العار”، وهل قتل الذات هنا  انتحارا، هو تنفيذ فعلي لقتل رمزي يجعل من امرأة “هتك عرضها” أو “دنس جسدها” جراء عنف جنسي من طرف رجل؟

وما مساحات تغييب هذا الموت الرمزي والموت الجسدي الطبيعي؟ وأي خطاب أو عناصر ذاكرة تتبع افتقاد المعنية بموت الانتحار؟ وأين تقف حدود الحرام في موت الانتحار؟

حرص إميل دوركايم في الأول  على التحديد المنهجي والنظري للمعنى السوسيولوجي لالنتحار، حيث يقول: من بين مختلف أصناف الموت، هناك الذي له وجه خاص، وهو كونه ينجم على يد الضحية ذاتها، والتي تكون بذلك مؤلف هذا الموت.

ومن المؤكد أن هذه الخصوصية نجدها كأساس للفكرة التي
نكونها حول فعل الانتحار، نصل إذن إلى هذا التعبير الأول: نسمي انتحارا، كل موت ينجم ارتباطا أو نتيجة  جراء فعل إيجابي أو سلبي تقوم به الضحية بنفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى