
ماهي الأسباب الرئيسية وراء تفشي ظاهرة العنف داخل أسوار المؤسسات التربوية بالمغرب؟ هذا هو السؤال الذي تمت إثارته على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، على إثر تزامن مجموعة من الأحداث التي سجلت اعتداء التلاميذ على الأطر التربوية، في مقابل بعض الحالات التي سجلت التحرش ومحاولة الاغتصاب الذي تتعرض له التلميذات.
الجريمة تنخر الحرم التربوي
ألقت الكثير من الجمعيات والنقابات المسؤولية بالأساس على عاتق وزارة التربية الوطنية، بفعل انعدام المواكبة والتتبع لما يقع في كواليس المؤسسات التربوية، معتبرة أن ظاهرة تعنيف الأطر التربوية، أو تعرض التلميذات للتحرش والاعتداء الجنسيين تعتبر دليلا قاطعا على اللامبالاة التي يعرفها قطاع التعليم مقارنة بباقي القطاعات الأخرى.
هي أزمة قيم تتنبأ بانهيار المنظومة التربوية
كثيرة هي الأدلة التي تفتح مجال التنبؤ بحتمية حصول كارثة تهز أركان المؤسسات التعليمية، والمنظومة التربوية على حد سواء كيف لا؟ بعدما كثرت الأدلة التي تؤكد انهيار العلاقة بين الطالب والتلميذ، بعدما أصبحت علاقة جدلية قائمة على تبادل التهم حول من يتحمل مسئولية تردي العلاقة، التي ترى في قوامها الأساس لغة العنف وكيل الصاع بالصاعين بدل الحوار والأخذ والعطاء.
الطالب يوجه أصابع الاتهام نحو الأستاذ، على حد قول عصام التلميذ بثانوية موسى بن نصير: “أزمتنا في الأصل أزمة تواصل بين جيلين، يمكن أن نقول إنها الصورة المصغرة لصراع حضارتين، وتجاذب بين الماضي والحاضر، الأستاذ المغربي في حاجة لتأهيل على مستويات عالية الدقة من المهنية والمعرفة، للتعامل خصوصا مع فئة المراهقين”.
بينما في المنحى الثاني نجد فئة الأساتذة توجه تهمة تردي العلاقة بين هذا الثنائي، للتلاميذ بالقول إن الجيل الحالي يفتقد للكثير من الوعي لمسايرة الحياة بالطريقة التي تبعث على الاطمئنان والقول إن للوطن جيلا صاعدا سيكون في المستوى المطلوب.
إلى جانب العنف الذي يتلقاه الأساتذة كما تفيد الشهادات الحية التي نعيش على وقع ترددها باستمرار، يتعرض مجموعة من التلاميذ للتحرش الجنسي من قبل الأساتذة، مع تعرض بعضهم الآخر إلى الإصابة بإعاقات مستديمة، أو جروح بليغة استدعت تدخلات طبية مستعجلة. ناهيك عن وجود ممارسات غير تربوية.
“هي منظومة تعليمية فاشلة تنتج في جزء كبير منها الجهلة” “ثقافة تكريم المعلم وإيلائه المكانة الاعتبارية متدنية. إننا أمام هوة تربوية تعليمية تقود إلى هوة قيمية تنذر بشروخات أكثر قسوة، إذا لم يتم تداركها في الوقت الحالي”. يقول محمد عبد الوهاب العلالي الباحث في السوسيولوجيا والتواصل السياسي.
كما يعبر الأستاذ نفسه في هذا الصدد عن امتعاضه حيال أحداث العنف الأخيرة المثيرة التي شهدتها مجموعة من المدارس في مدن مختلفة.
كما يشير المتدخل نفسه إلى أن تعنيف الأطر التربوية يعتبر مؤشرا من بين مؤشرات أخرى خطيرة تنبئ بالقيم السلبية التي أصبحت تنخر المجتمع المغربي، وهي ظواهر تعبر عن الأزمة الاجتماعية العميقة التي يعيشها مجتمعنا اليوم.
العنف المدرسي وليد السياسات العمومية الفاشلة
من جهته بدر السريفي، أستاذ جامعي بكلية القانون الرباط، يقول إن “ظاهرة العنف المدرسي تجسد السلوك الذي يعكس ببساطة الوجه الحقيقي الذي آلت إليه المدرسة العمومية، إنه النتيجة الطبيعية للسياسات العمومية المعتمدة في مجال التعليم العمومي، نعم إنه المستقبل الذي لا يبشر بخير وإن كانت مثل هذه الحالات تبقى معزولة، لكنها أضحت في تزايد مقلق”.
“مدرستنا مفقرة للعقل وللشخصية”
عدنان الجازولي باحث سوسيولوجي وأستاذ جامعي بكلية علوم التربية بمدينة الرباط، يقول “بخصوص ظاهرة العنف داخل المؤسسات التعليمية “لا أعتقد أنه أمر جديد. لأننا حين نتحدث عن العنف يجب أن نتحدث عن أنواعه أي العنف النفسي واللفظي والمادي، وهي مستويات أيضا. بمعنى آخر أنواع العنف تخفي كثيرا من الأضرار التي يصعب ملاحظتها بالعين المجردة. الضرب مثلا كعنف مادي نتائجه واضحة لكن العنف النفسي والضغط عبر اللوم والسب فهذه نتائجها تظهر عبر الزمن”.
لا يفوته في هذا السياق الإشارة إلى أن المدرسة مثلها مثل أي مؤسسة اجتماعية، تعاني من مختلف الأمراض أو المشاكل التي يعاني منها المجتمع. خصوصا وأن المجتمع المغربي يعرف تحولات كبيرة، والتحول يؤدي إلى أزمات وهذه الأزمات لابد أن تعبر عن نفسها من خلال كل بنيات المجتمع. “والمدرسة واحدة من تلك البنيات” .
“العنف تعبير عن الذات المنتفضة على القيم القديمة”
في هذا السياق، يبسط الباحث في سوسيولوجيا التربية، الدكتور رشيد جرموني، الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة العنف داخل المدرسة، معتبراً أن تراجع أدوار مؤسسات التربية الكلاسيكية وتشبث الشباب بثقافة التعبير عن الذات مستعينين بالتطورات التكنولوجية بعيدا عن كل القيود المجتمعية، كلها أمور طورت هذه الظاهرة خصوصا مع ارتفاع قيم الاستهلاك في مجتمعاتنا، مؤكداً أن التخوّفات مشروعة فيما يتعلق بانتشار هذه الظاهرة في صفوف الشباب والمراهقين الذين يعانون من فراغ قيمي، مشدداً في الآن ذاته، على أن الحل الأمثل يتجسد في تنمية السلوك المدني لدى الشباب والاستثمار في الرأسمال البشري.





