المندوبية السامية للتخطيط: الهجرة الداخلية تعيد رسم خريطة المغرب السكانية والتنموية

أوضحت المندوبية السامية للتخطيط، استنادا إلى معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، أن الهجرة الداخلية أصبحت المحرك الأساسي لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والاقتصادية للمغرب، متجاوزة في تأثيرها الهجرة الدولية التي كانت لعقود العامل الأبرز في هذا المجال.
وأكدت المندوبية أن ما يقارب 40 في المئة من المغاربة غيروا أماكن إقامتهم مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم، ما يعكس دينامية سكانية متسارعة تتجاوز مجرد التنقل، لتكشف عن اختلالات في النموذج التنموي الوطني الذي يتركز في “مثلث الفرص” الممتد بين الدار البيضاء والرباط وطنجة.
وبينت المعطيات ذاتها أن ستة من كل عشرة مواطنين ما زالوا يعيشون في جماعاتهم الأصلية، في المقابل غادر أربعة آخرون مناطقهم بحثا عن فرص أفضل في العمل أو التعليم أو الخدمات. وتظهر الدراسة أن النساء يشكلن أكثر من نصف عدد المهاجرين الداخليين، وهو ما يعكس تحولات عميقة في البنية الاجتماعية وارتفاع مشاركة المرأة في مجالات الاقتصاد والتعليم والحياة العامة.
وأشارت المندوبية إلى أن الهجرة الداخلية في جوهرها “حضرية”، إذ تتم نصف التنقلات داخل المدن الكبرى نفسها، فيما ما تزال حركة النزوح من القرى نحو الحواضر متواصلة نتيجة الفوارق الكبيرة في البنيات التحتية وفرص الشغل. أما الاتجاه المعاكس، أي من المدن إلى القرى، فيظل محدودا ويقتصر غالبا على دوافع عائلية أو فترات التقاعد.
ولفتت المندوبية إلى أن الحركية السكانية تتركز بشكل أساسي في ثلاث جهات رئيسية تمثل محركات الاقتصاد الوطني، وهي: الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، بحكم ما تحتضنه من مؤسسات اقتصادية وإدارية كبرى توفر فرصا متزايدة للاستقرار.
في المقابل، تعرف الجهات الداخلية مثل مراكش-آسفي، فاس-مكناس، بني ملال-خنيفرة، ودرعة-تافيلالت، معدلات هجرة مرتفعة، تفقد على إثرها جزءا مهم من شبابها نحو المدن الساحلية، ما يؤدي إلى اتساع الفوارق بين ما تسميه المندوبية بـ“المغرب الصاعد” و“المغرب المتروك”.
وأكدت المندوبية أن الهجرة الداخلية، رغم دورها في إعادة توزيع السكان، تعكس في العمق نموذجا تنمويا غير متوازن يتركز فيه الاستثمار والفرص في مناطق محدودة. وشددت المندوبية على ضرورة بلورة سياسات عمومية جديدة تستهدف الحد من الفوارق الجهوية، وتعمل على خلق أقطاب اقتصادية جديدة قادرة على استقطاب السكان في الجهات المهمشة.
وخلصت المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الرهان اليوم يتمثل في وقف “نزيف” الهجرة الداخلية الذي يشمل نحو 40 في المئة من السكان، والعمل على توزيع الثروة والفرص بشكل أكثر عدالة واستدامة لضمان توازن ديموغرافي وتنموي بين مختلف مناطق المملكة.



