بين مكتسبات التنمية وتحديات الفقر والهشاشة.. تقرير جديد يرسم صورة المغرب بين 2000 و2023

أصدرت المندوبية السامية للتخطيط اليوم الثلاثاء 09 شتنبر 2025 تقريرا تحليليا شاملا حول وضعية الفقر، التنمية البشرية، والمساواة بين الجنسين في المغرب، وذلك استنادا إلى توجيهات الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2025.
التقرير رصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها المملكة بين سنتي 2000 و2023، مبرزا المكتسبات المحققة، والتحديات التي ما زالت قائمة في أفق تنزيل النموذج التنموي الجديد.
وأكدت المندوبية أن المغرب حقق تقدما ملحوظا في مجال التنمية البشرية، إذ تمكن لأول مرة من تجاوز عتبة “التنمية البشرية المرتفعة”، كما تراجع الفقر متعدد الأبعاد بشكل مهم خلال العقدين الماضيين، غير أن التقرير شدد على أن هذه المكاسب تبقى غير كافية ما لم تنعكس بشكل ملموس وعادل على تحسين ظروف عيش المواطنين، خصوصا في المناطق القروية التي ما تزال تعاني من ضعف البنيات التحتية والخدمات الأساسية.
وعلى مستوى الدخل الفردي، أبرزت المذكرة أن القدرة الشرائية للأسر المغربية شهدت نموا ملحوظا خلال العقد الأول من الألفية، حيث تضاعف الدخل الفردي ليصل إلى 21 ألف درهم سنة 2014، لكن هذه الدينامية تباطأت بعد ذلك، لتعرف تراجعا حادا في 2020 بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، قبل أن تعود إلى التحسن بشكل متدرج، حيث بلغ الدخل الفردي حوالي 27 ألف درهم سنة 2023.
وفيما يخص محاربة الفقر، أكدت المندوبية أن المغرب تمكن من القضاء شبه التام على الفقر المدقع، إذ لم تتجاوز نسبته 0,3% سنة 2022، أما الفقر المطلق، فقد عرف انخفاضا بارزا من 15,3% سنة 2001 إلى 1,7% سنة 2019، غير أنه عاد للارتفاع إلى 3,9% سنة 2022 نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والتضخم. كما ارتفع عدد الفقراء من 623 ألفا سنة 2019 إلى أكثر من 1,4 مليون شخص في 2022.
وسجل التقرير أيضا تزايد الهشاشة الاجتماعية، إذ انتقلت نسبة الهشاشة من 7,3% سنة 2019 إلى 12,9% سنة 2022، ما يعني أن حوالي 4,75 مليون مغربي أصبحوا مهددين بالانزلاق نحو الفقر، وأرجعت المندوبية هذا الوضع إلى تداخل عوامل مرتبطة بالجائحة الصحية، ارتفاع الأسعار، وأزمات الجفاف المتكررة التي ضربت الاقتصاد الوطني.
أما على مستوى الفوارق الاجتماعية والمجالية، فقد أظهر التقرير أن مؤشر جيني، الذي يقيس التفاوت في توزيع الدخل، انخفض بين 2001 و2019، قبل أن يعاود الارتفاع إلى 40,5% سنة 2022، مع تركّز الفوارق بشكل أكبر في الوسط الحضري، كما تراجع نصيب الـ20% الأكثر فقرا من الاستهلاك الوطني إلى 6,7%، مقابل ارتفاع نصيب الـ20% الأغنى إلى 48,1%.
وفي الجانب المرتبط بالمساواة بين الجنسين، أبرزت المندوبية أن المغرب أحرز تقدما في مجالات التعليم والصحة، حيث ارتفع معدل إتمام التعليم الإعدادي لدى الفتيات إلى 79% مقابل 70% لدى الفتيان، وانخفض معدل وفيات الأمهات بشكل كبير، غير أن المشاركة الاقتصادية للنساء ما تزال ضعيفة، إذ لا يتجاوز معدل نشاطهن 19%، مقارنة بـ70% لدى الرجال، فيما تحتل النساء 21,4% فقط من مقاعد البرلمان.
وخَلص التقرير إلى أن المغرب، رغم تقدمه الكبير في التنمية البشرية ومحاربة الفقر، ما يزال يواجه تحديات هيكلية مرتبطة بتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، معالجة الفوارق المجالية والاجتماعية، وتعزيز المساواة بين الجنسين، ودعت إلى تبني مقاربات تنموية مندمجة، تعتمد على الأدلة والمعطيات الدقيقة، وترتكز على التعليم والصحة والمساواة كرافعات أساسية لتحقيق تنمية أكثر شمولية وعدلا لجميع المواطنين.