
يستعد العالم مرة أخرى، مع اقتراب نهاية شهر أكتوبر، لتأخير عقارب الساعة والعودة إلى التوقيت الشتوي، في تقليد سنوي يُفترض أنه يمنح الناس ساعة نوم إضافية، غير أن هذا التغيير البسيط في ظاهره يخفي وراءه آثارا صحية ونفسية معقدة دفعت العديد من العلماء إلى التساؤل عما إذا كان العمل بالتوقيتين الصيفي والشتوي لا يزال مبرراً في عصرنا الحالي.
فمنذ اعتماد نظام تغيير الساعة في بدايات القرن العشرين، كانت الغاية منه واضحة، وهي توفير الطاقة والاستفادة من ضوء النهار لأطول مدة ممكنة، وقد بدأ تطبيقه لأول مرة في أوروبا سنة 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى قبل أن ينتشر في أكثر من سبعين دولة تشمل ربع سكان العالم تقريبا، إلا أن الأصوات العلمية باتت تتعالى اليوم مطالبة بمراجعته بعدما تبيّن أن تأثيره يمتد إلى صحة الإنسان ونومه ومزاجه العام.
يبدو للوهلة الأولى أن تأخير الساعة في الخريف يمنح الناس ساعة إضافية من النوم، غير أن الدراسات العلمية تقول غير ذلك، إذ أظهرت أبحاث دنماركية أن معدلات الاكتئاب ترتفع بنسبة تصل إلى 11 في المئة خلال الأسابيع العشرة التي تلي هذا التغيير بسبب قصر النهار وطول فترات الظلام، ما ينعكس سلبا على الحالة المزاجية للأفراد.
وفي السياق ذاته أوضحت دراسة بريطانية أن الناس لا يستفيدون فعليا من الساعة الإضافية كما يُعتقد، إذ لا تتجاوز الزيادة في النوم ثلاثا وثلاثين دقيقة في الليلة الأولى قبل أن تعود مستويات النوم إلى حالها الطبيعي خلال أيام قليلة. ومع ذلك، يرى بعض المختصين أن التوقيت الشتوي يمنح الجسم فرصة لاستعادة توازنه بعد اضطراب النوم الذي يسببه التوقيت الصيفي، خصوصا لدى من يعانون من الأرق أو ضغط العمل الليلي.
ويعود أصل الفكرة إلى سعي الدول الصناعية في بدايات القرن الماضي إلى ترشيد استهلاك الطاقة والاستفادة من ضوء الشمس لفترة أطول خلال الحربين العالميتين. ففي المملكة المتحدة مثلا، جرى تقديم الساعة في مارس وتأخيرها في أكتوبر منذ أكثر من قرن، على أمل تقليل استهلاك الكهرباء وتحسين الإنتاجية، أما في الولايات المتحدة فقد اعتمد النظام رسميا سنة 1966 ولا يزال معمولا به في معظم الولايات رغم الجدل المتزايد حول آثاره الصحية والاقتصادية. واليوم تتقلص الفوائد الاقتصادية للنظام مقارنة بالمخاطر الصحية التي بدأ العلماء في توثيقها بشكل دقيق.
وتُجمع دراسات عديدة على أن تقديم الساعة في الربيع، أي فقدان ساعة من النوم، يمثل الخطر الأكبر على صحة الإنسان. فقد لاحظ باحثون أمريكيون ارتفاعا في حالات دخول المستشفيات بسبب النوبات القلبية في اليوم الموالي لتقديم الساعة، كما رصدت دراسات مماثلة في السويد وألمانيا والبرازيل زيادة في السكتات الدماغية خلال الأسبوع الأول من التوقيت الصيفي، ويرجع العلماء ذلك إلى اضطراب الساعة البيولوجية للجسم التي تنظم النوم واليقظة والإفرازات الهرمونية.
التغيير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ يؤثر على توازن الجسم ويعيق انتظام النوم، خاصة لدى الأشخاص الذين يلتزمون بساعات محددة للنوم. ومع تأخر حلول الليل، يواجه البعض صعوبة في النوم مبكرا، مما يتسبب في شعورهم بالتعب وقلة التركيز وارتفاع ضغط الدم لدى بعض الأشخاص.
وأكد الخبراء ذاتهم، أن ساعة واحدة من عدم انتظام النوم كفيلة بالتأثير على الساعة البيولوجية للجسم، خاصة عند الأطفال والأشخاص الذين يعملون في النوبات المسائية. والعاملين في الورديات الليلية، الذين يكون نومهم أكثر حساسية. كما يمكن أن يشعر بعض المرضى المصابين بأمراض القلب والسكري والسمنة بتدهور طفيف في حالتهم الصحية خلال الأيام الأولى بعد التغيير، بسبب اختلاف مواعيد النوم والطعام.
ويبقى النقاش في أوروبا حول جدوى نظام تغيير الساعة قائما، رغم تصويت البرلمان الأوروبي عام 2019 لإلغائه. ويرجع تأجيل التنفيذ إلى اختلاف المواقف بين الدول حول التوقيت الأمثل، فبينما يرى البعض أن التوقيت الصيفي يوفر ضوءا أطول في النهار، يفضل آخرون التوقيت الشتوي لأنه يتوافق بشكل أفضل مع دورة الشمس والساعة البيولوجية للإنسان، ما يعزز النوم الصحي ويساهم في استقرار الجسم والنفس.





