اخبار المغربثقافةمستجدات

كوثر جلال تكتب بإبداع أدبي عن مدونة الأسرة بين سجلات الإصلاح وحكايات الواقع المعيش

الخط :
إستمع للمقال

نشرت الأستاذة المحامية كوثر جلال شقيقة زميلتنا نجيبة جلال، كتابا لطيفا من حيث الصياغة الأدبية، حارقا من حيث الحكايات والأزمات الأسرية، ومهذبا بآيات قرآنية كريمة في العديد من وقفاته.

وقد اختارت كوثر جلال كعنوان لهذا الكتاب: “مدونة الأسرة بين سجلات الإصلاح المرتقب، وحكايات الواقع المعيش، والمستجدات الواقعية للقانون”.

وقد تميز الكتاب بتركيز كبير في حجمه وصفحاته التي لم تتجاوز 131 صفحة، في حين بدا من جانب آخر أنه كتابا لطيفا يحلق بك بين أبواب المواد القانونية وأبواب الأزمات الأسرية.

ويتضمن الكتاب، لصاحبته الأستاذة المحامية كوثر جلال، مجموعة من القصص الواقعية التي تمزج بين السرد الروائي والتحليل القانوني، مستعرضة تجارب حقيقية في الزواج والطلاق والنسب والحضانة والولاية والميراث، حيث تضع المؤلفة الإنسان في قلب القانون، وتُسلط الضوء على المسارات والآلام والآمال التي غالبا ما تُغفلها النصوص التشريعية، بهدف توعية القارئ ودفعه نحو فهم أعمق وإصلاح ملموس، كما يعكس الكتاب حس المؤلفة الاجتماعي والقانوني، إذ يوازن بين الخبرة القانونية والجانب الإنساني للحياة الأسرية، مع دعوة صريحة إلى قانون يحمي الحقوق ويعترف بالواقع ويواكب التطورات.

ويحتوي الكتاب على مقدمة تسلط الضوء على تأثير القانون على الحياة الأسرية بطريقة عميقة وواقعية، حيث تشير الأستاذة جلال إلى أنه عندما بدأت الاستماع إلى روايات النساء والرجال والأطفال والزملاء والعائلات التي صادفتها في المحاكم، اكتشفت حقيقة أساسية، مفادها أن القانون ليس محايدا أبدا، فهو لا يقتصر على تنظيم علاقات مجردة، بل يتغلغل في الحياة اليومية، ينظمها ويشكلها، أحيانا يثقلها وأحيانا يضيئها.

وأضافت في نفس السياق، أنه في مجال الأسرة بشكل خاص، يمس القانون الجانب العاطفي واليومي للحياة، ليصبح غالبا مرآة صادقة وأحيانا قاسية للتوترات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية، وهذه بالذات المرآة التي أرادت المؤلفة عرضها من خلال هذا الكتاب القصصي.

وينبثق الكتاب من ملاحظتين أساسيتين: أولا، أن مدونة الأسرة، بعد إصلاحها في 2004، قد أتاحت تقدما مهما، لكنها ما تزال تحمل آثار تناقضاتها المؤسسة بين التقاليد والحداثة، وبين حماية الأكثر ضعفا والحفاظ على توازن اجتماعي قد يكون أحيانا وهميا، حيث تكشف التسويات القانونية مع مرور الوقت عن حدودها، وبعد عشرين عاما من الإصلاح، لا تزال بعض العقبات، وأحيانا بعض الصمت، قائمة.

ثانيا، تردف المؤلفة في كتابها، أن هذه الحدود ليست مجردة، بل لها آثار إنسانية ملموسة؛ فخلف كل قاعدة قانونية قابلة للتحسين، وكل إجراء جامد، وكل صمت نصي، هناك وجوه ومسارات، أطفال محرومون من هويتهم، أمهات صامتات، آباء مفصولون عن حقوقهم، عائلات مشتتة وحقوق معلقة، وغالبا ما تهمل هذه الحقائق أو تغفل بالكامل، بسبب مدونة الأسرة التي تغطي عليها، وهو ما يجعل الكتاب صوتا للواقع الإنساني خلف النصوص القانونية.

وفي مواجهة ذلك، قالت الأستاذة المحامية إنها اختارت أن تكتب بأسلوب مختلف عن الأطروحات الأكاديمية أو الدراسات القانونية الصرفة، مبرزة أن كتابها ليس رسالة علمية، ولا دراسة قانونية، بل مجموعة من القصص القصيرة المستوحاة من مواقف واقعية صادفتها في المحاكم أو في صمت ملفات القضايا، ومن التجارب التي عاشتها في ممارستها المهنية، مؤكدة أن في هذه القصص، يظهر القانون حاضرا في كل قرار، وفي كل تنازل، وفي كل ظلم محسوس، وفي كل أمل محفوظ.

وترى كوثر جلال أن السرد هو وسيلة لإضفاء الوجود على أولئك الذين يتجاهلهم القانون، ولمنح الصوت لمن لا يُسمع صوتهم في النصوص القانونية، ولإظهار كيف أن قاعدة قانونية، تبدو محايدة، قد تولد أحيانا نتائج غير عادلة بعمق، كما يتيح السرد للقارئ، حسب تعبيرها، سواء كان مختصا بالقانون أم لا، فهما داخليا لما يعنيه فعليا “تطبيق مدونة الأسرة”.

لذلك، اختارت المؤلفة السرد كوسيلة للتعبير ونقل هذه الرسالة. وإن كانت هذه القصص مستوحاة جزئيا من أحداث واقعية، فهي لا تهدف إلى توثيق حالات فردية، وفق قولها، بل تسعى إلى تجسيد القانون وجعله ملموسا، وإضفاء حياة على ما يبقى غالبا مجردا في الأحكام وقاعات المحاكم، حيث يوضح الكتاب أن كل قصة تمثل صوتا يطرح سؤالا يكشف عن منطقة توتر، ويقترح مسارا للإصلاح.

ويشير الكتاب أيضا إلى أن هذا التجميع القصصي لا يدعي استنفاد جميع القضايا المتعلقة بقانون الأسرة، بل يقتصر على التحديات التي منحت للمؤلفة الفرصة لمواجهتها خلال مسيرتها المهنية، حيث ترى كوثر جلال أن هذا التجميع يمثل أيضا فعل إيمان قانوني وإنساني: الإيمان بأن القانون قادر ويجب أن يتطور انطلاقا من التجربة، والقناعة بأن إصلاح مدونة الأسرة لا يمكن أن يكون مجردا قانونيا، بل يجب أن يكون إنسانيا واجتماعيا وأخلاقيا.

وتضيف المؤلفة في هذا الصدد: “في العمق، أؤمن بقانون حي، قانون لا يخاف من تعقيدات الواقع ولا من نسيم الإصلاحات. لدي الاقتناع الراسخ بأن سرد ما يفعله القانون بالناس، وما يسمح به، وما يمنعه، وما يغفله، هو فعل من أجل التغيير. وربما سنصل في النهاية إلى صياغة قانون أكثر وعيا للحقائق الإنسانية”. مؤكدة أن إصلاح مدونة الأسرة لا يعني التنازل عن هويتنا، بل يعني إعادة إحيائها بالكامل، عبر ربطها بواقع الحالات المعيشة، وبالتحولات الصامتة للأسر المغربية، وبالتطلعات المتجددة لمجتمع دائم التطور.

وتشدد الأستاذة المحامية على أن هذا المشروع يبدأ مع القراء، لبناء قانون يظل وفيا لروح العدالة، حريصا على الكرامة، حاملا لوعد المساواة الذي نص عليه دستور 2011. إصلاح لا يقلد أي نموذج جاهز، يستمع، ويفهم، ويتصرف انطلاقا من واقعنا، وتاريخنا، وشجاعتنا الجماعية.

والأستاذة كوثر جلال، هي محامية بهيئة الدار البيضاء، حاصلة على شهادة الإجازة في القانون الخاص من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأكملت دراستها بدرجة “DEA” في القانون الخاص من جامعة بيربينيان، ثم ماستر في القانون الدولي للأعمال من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى