اخبار المغربمحليات

تقرير يكشف واقع مشروع مؤسسات الريادة بتارودانت: صفقات متأخرة.. تجهيزات غائبة وكلفة تناهز 19,5 مليون درهم

الخط :
إستمع للمقال

يعيش عدد من مدراء وأساتذة المؤسسات التعليمية التي تم إدراجها ضمن مشروع “مؤسسات الريادة” بمديرية تارودانت، بناء على معطيات حصل عليها موقع “برلمان.كوم“، على وقع تذمر واستياء عارم، بسبب غياب الإمكانيات والتجهيزات التي يفترض أن تشكل العمود الفقري لهذا المشروع، والاكتفاء بطلاء جدران الأقسام في صورة سطحية لا ترقى إلى حجم الانتظارات.

وحسب المصادر ذاتها، فإن واقع الحال يكشف أن الحواسيب، وأجهزة العرض (الضاطا شو)، وباقي الوسائل الرقمية التي يشكل توفيرها شرطا لازما لإنجاح “مدارس الريادة”، لم يتم بعد تجهيز مجموعة من المؤسسات بها، خاصة تلك التي تم إدراجها هذه السنة ضمن المشروع، في وقت انطلق فيه قبل أسبوع فقط برنامج الدعم التربوي الموجه للتلاميذ، والممتد لأربعة أسابيع، دون أن تتوفر الكراسات والكتب الخاصة به بشكل كاف. وهو ما اضطر عددا من المديرين إلى اللجوء للاستنساخ قصد تمكين التلاميذ من الوثائق، في مشهد يعكس حجم الارتجال، ويضاعف من الأعباء المادية لأطر من المفروض أن ينصرفوا إلى أداء رسالتهم التربوية بدل تدبير أزمات اللوجستيك التي تعتبر اختصاصا حصريا للوزارة المعنية.

مؤسسة بجبال تارودانت (الهامش)

وإذا كان من المفروض أن تضطلع المديرية الإقليمية لتارودانت، ومعها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة، بمسؤولية توفير كل هذه الإمكانيات وضمان شروط تنزيل المشروع كما جاء في أهدافه الرسمية، فإن الصمت المطبق هو سيد الموقف، تاركة المدراء والأساتذة يواجهون واقعاً مريراً، في وقت يتبجح فيه الوزير الوصي على القطاع بنجاح المشروع، ويغض الطرف عن حقيقة الوضع داخل المؤسسات، خاصة في المناطق البعيدة عن المركز.

المعطيات التي حصل عليها موقع “برلمان.كوم” تكشف أن إقليم تارودانت يحتضن وحده 91 مؤسسة ابتدائية رائدة، بينها 43 مؤسسة جديدة لا تتوفر لا على حواسيب الأساتذة ولا على أجهزة العرض ولا على سبورات ولا حتى على تجهيزات أساسية، بل إن عمليات تأهيلها لم تكتمل بعد. والسبب، حسب المصادر نفسها، هو تأخر المديرية الإقليمية للتربية الوطنية والرياضة والتعليم الأولي بتارودانت في إطلاق صفقة التأهيل التي تم تقسيمها لصفقات، الشيء الذي جعل هذه المديرية تُعتبر الأخيرة في جهة سوس ماسة من حيث وتيرة إطلاق الصفقات وبداية الأشغال والإنجاز.

ووفق نفس المعطيات، فإن 12 صفقة للتأهيل تم إطلاقها متأخرة في يوليوز 2025، وهو ما تسبب في عدم جاهزية المؤسسات في الموعد، وأخل بالتزامات الوزارة. وتشمل هذه الصفقات تأهيل 683 حجرة ابتدائية و174 حجرة إعدادية، بتكلفة إجمالية بلغت 19.497.100,38 درهما، لتُعتبر بذلك أكبر صفقة من نوعها على صعيد مديريات جهة سوس ماسة، بحسب مصادر الموقع.

وكان من المفروض وفق ذات المصادر، أن تكون جميع مؤسسات الريادة بإقليم تارودانت مؤهلة بنسبة 100% ابتداء من فاتح شتنبر 2025، غير أن هذا الالتزام الوزاري لم يتم احترامه من طرف الأكاديمية الجهوية لسوس ماسة ومديرية تارودانت. بل إن 8 مؤسسات إعدادية مدمجة ضمن مشروع الريادة بإقليم تارودانت مازالت أشغال التأهيل بها متعثرة، ووجد مديروها أنفسهم يفتتحون الموسم الدراسي في أوراش لم تكتمل، مما يعكس حجم الارتجال والتأخر.

صورة لمدخل مؤسسة تابعة لمديرية تارودانت

أما عمليات التأهيل المنجزة في بعض المؤسسات، فتطرح أكثر من علامة استفهام، إذ لم تتجاوز ما تم تسميته “تأهيلاً خفيفاً” يقتصر على صباغة أو إصلاحات سطحية، وهو ما يستدعي تدخل المفتشية العامة للوزارة لافتحاص مدى احترام دفتر التحملات المتعلق بصفقات تأهيل مؤسسات الريادة، خصوصاً وأن الكلفة باهظة ولا تتطابق مع واقع الإنجاز على الأرض إلى حدود الساعة.

وهذا يعيد طرح السؤال حول المؤسسات التعليمية التي تصدعت أو هدمت بسبب زلزال 8 شتنبر، وهي الفترة التي كان قبلها ببضعة أشهر المسؤول الإقليمي الحالي يشغل منصب رئيس مصلحة البناءات والتجهيزات والممتلكات بالمديرية في عهد المدير الإقليمي السابق الذي تم تنقيله إلى مديرية اليوسفية. ويطرح هذا الواقع الحاجة إلى تقييم مدى نجاعة تتبع الصفقات والأشغال آنذاك، ومدى مطابقتها لمعايير السلامة وجودة البناء، بدل الاكتفاء بترحيل المسؤوليات من فترة إلى أخرى دون افتحاص شامل وشفاف.

صورة لمؤسسة بمديرية تارودانت متضررة من زلزال 8 شتنبر

غير أن الإشكال الأعمق يتمثل وفق مصادر الموقع في غياب المراقبة والتتبع، حيث إن الأكاديمية الجهوية، كعادتها، تفوض الاعتمادات المالية دون أي مواكبة حقيقية أو محاسبة دقيقة، مما يطرح بحدة سؤال التدبير الرشيد للمال العام، ومدى مطابقة الأشغال المنجزة لدفتر التحملات من حيث الكلفة والعدد، في انتظار ما إذا كان سيُفتح افتحاص حقيقي لهذه الصفقات أم أن الأمر سيظل طي التجاهل والتستر.

هذا الوضع يطرح سؤال المصداقية، ويدعو وزير التربية الوطنية إلى النزول الميداني لزيارة بعض المؤسسات التي تم إدماجها هذه السنة ضمن مشروع الريادة بإقليم تارودانت، قصد الوقوف عن قرب على الاختلالات، بعيداً عن الصور المنمقة والمختارة بعناية والتي يتم تقديمها في بعض مدن المركز.

يذكر أن جهة سوس ماسة منذ إطلاق مشروع مؤسسات الريادة خلال الموسم الدراسي 2023-2024 في التعليم الابتدائي، تضم 380 مؤسسة ابتدائية رائدة، 162 منها تم انتقاؤها لاحتضان نموذج “مدارس الريادة” خلال الموسم الدراسي الحالي 2025-2026، و 66 مؤسسة إعدادية رائدة، 22 منها تم اختيارها خلال هذا الموسم الدراسي، وهو مشروع وطني يهدف، حسب الوزارة، إلى تجويد التعلمات الأساسية للتلاميذ عبر مقاربات بيداغوجية حديثة، تشمل الدعم المكثف، التدريس الصريح، التقويم المستمر، وتأهيل الفضاءات المدرسية بالتجهيزات الرقمية، فضلاً عن رفع قدرات الأساتذة بالتكوين المستمر. لكن الواقع الميداني، على الأقل في إقليم تارودانت، يكشف فجوة مقلقة بين الخطاب الرسمي وما يجري على الأرض.

صورة لمؤسسة بمديرية تارودانت، بعد زلزال 8 شتنبر
البريفابركي بمؤسسات بمديرية تارودانت (الجبال)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى