
أكد الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه مساء اليوم السبت ، إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرة 63 لثورة الملك والشعب ، أن “إفريقيا بالنسبة للمغرب أكثر من مجرد انتماء جغرافي، وارتباط تاريخي. فهي مشاعر صادقة من المحبة والتقدير، وروابط إنسانية وروحية عريقة، وعلاقات تعاون مثمر، وتضامن ملموس. إنها الامتداد الطبيعي والعمق الاستراتيجي للمغرب”.
ومن هذا المنطلق، يعطي الملك أهمية خاصة لإفريقيا وللنهوض بتنمية شعوبها، وجعلها في صلب السياسة الخارجية للمغرب ، حيث يقول في ذات الخطاب، “هذا الارتباط متعدد الأبعاد يجعل المغرب في قلب إفريقيا. ويجعل إفريقيا في قلوب المغاربة” ، ذالك أن إفريقيا ترتبط في ذاكرة المغرب أيضا بمنفى جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، بمدغشقر.
ويرجع الملك المشاكل التي تعاني منها شعوب القارة إلى مخلفات “السياسة الكارثية، التي اعتمدها الاستعمار طلية عقود من الزمن”، حيث “نهب خيراتها، ورهن قدرات ومستقبل أبنائها، وعرقل مسار التنمية بها، وزرع أسباب النزاع والفرقة بين دولها”.
وقد سبق لجلالة الملك أن عبر عنها جهارا في خطابه للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2014. والواقع أن الحروب والصراعات التي تعيشها العديد من مناطق القارة، هي إما بسبب الحدود التي تركها الاستعمار، وإما بسبب التفرقة القبلية التي كرسها، والتي كان من نتائجها عمليات إبادة جماعية سيخلدها التاريخ، بمداد العار، في صفحات من كانوا وراءها.
ورغم الصعوبات التي تواجهها إفريقيا، إلا أن جلالة الملك يثق في قدرتها على رفع مختلف التحديات، التي تواجهها. هذا الإيمان في إفريقيا راسخ لدى جلالته. وقد عبر عنه غير ما مرة، وخاصة في خطابه التاريخي بأبيدجان، حيث دعا إلى أن إفريقيا يجب أن تضع ثقتها في إفريقيا.
ويعود الملك في هذا الخطاب ليؤكد مرة أخرى هذه الثقة، حيث يقول “إلا أننا نؤمن بأن إفريقيا قادرة على النهوض بتنميتها، وعلى تغيير مصيرها بنفسها، بفضل ما لشعوبها من إرادة قوية وطاقات بشرية وموارد طبيعية”.
وإيمانا منه بمكانته وبدوره في إفريقيا، فقد قرر جلالته “عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي داخل أسرته المؤسسية القارية”، مؤكدا أن “مصلحة المغرب من مصلحة إفريقيا، ومصيره لا يمكن أن يكون بدونها. والتقدم والاستقرار إما أن يكونا مشتركين أو لا يكونا”.
إن الأمر يتعلق بوحدة المصير المشترك، ومن “تجسيد لهذا الالتزام بمواصلة العمل على نصرة قضايا شعوبها”. لهذا فالمغرب لم يفكر أبدا في الأخذ من إفريقيا، بل يعطي دون حساب. بل ينهج سياسة تقوم على المصلحة المشتركة وعلى خدمة المواطن الإفريقي. كما أنه يدافع دائما عن قضاياها وانشغالاتها في مختلف المنابر والملتقيات الجهوية والدولية.
ويتجلى هذا التوجه التضامني الذي رسخه جلالة الملك في علاقات المغرب بعدد من الدول الإفريقية في مختلف الاتفاقيات التي تم توقيعا والتي تتجاوز 600 اتفاقية من سنة 2000 إلى اليوم، وهو ما يتجاوز مجموع الاتفاقيات التي أبرمها المغرب منذ الاستقلال إلى تلك السنة .
وهو ما يؤكده جلالة الملك حيث يقول : ” فنحن لا نعتبر إفريقيا سوقا لبيع وترويج المنتوجات المغربية، أو مجالا للربح السريع، وإنما هي فضاء للعمل المشترك، من أجل تنمية المنطقة، وخدمة المواطن الإفريقي”.
كما أن المغرب يساهم إلى جانب الدول الإفريقية في إنجاز مشاريع التنمية البشرية، وفي والخدمات الاجتماعية، التي لها تأثير مباشر على حياة سكان المنطقة. يقول جلالة الملك: “فالمغرب مثلا لا يقوم فقط بتصدير الأدوية، بل يحرص على تشييد معامل صناعة الأدوية، والمؤسسات والمراكز الصحية”.
وبالإضافة إلى ذلك يوجه المغرب اهتمامه لإنشاء البنيات التحتية، ومراكز التكوين المهني والتقني، التي توفر الشغل والدخل القار، كقرى الصيادين بكل من طوت ديفوار والسنغال، ودعم الفلاحين الصغار بكل من مالي والغابون، وتشجيع الحفاظ على البيئة، كما هو الشأن بالنسبة لحماية وتثمين خليج كوكودي بأبيدجان، وفق نموذج فريد من التعاون البين-إفريقي.
ولضمان النجاح لهذه الرؤية التضامنية المتكاملة، التي تحكم علاقات المغرب بأشقائه في إفريقيا، فإن جلالة الملك يشدد على ضرورة انخراط جميع الفاعلين في تنفيذها، وتحمل مسؤولياتهم، والوفاء بالتزاماتهم، حفاظا على مصداقية المغرب.
وهو ما يقتضي أيضا بلورة آلية حكومية لمتابعة وتنفيذ مختلف الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها. لأن إفريقيا بالنسبة للمغرب، يضيف المك : ” ليست هدفا، وإنما هي التزام، من أجل المواطن الإفريقي، أينما كان.





