مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية يحذر من تصاعد الإرهاب ويؤكد لـ”لو فيغارو”: المغرب شريك أساسي لمكافحة الإرهاب في إفريقيا

حذر نيكولا لرنر، المدير العام لجهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، في مقابلة حصرية مع صحيفة “لو فيغارو”، من تهديد “إرهابي” في طور تحول لكنه لا يزال مرتفعا، داعيا إلى أقصى درجات اليقظة.
لِرنر رسم صورة لتهديد إرهابي متعدد الأوجه ينتقل اليوم من خطر مصدر خارجي قائم على قواعد إقليمية إلى تهديد داخلي يتغذى على أفراد متطرفين ملهمين بدعاية إلكترونية أو “مفعلين” من تنظيمات مثل ولاية خراسان، كما أوضح أن احتمال تكرار سيناريوهات 2015 القائمة على تدريب وتمويل خلايا مؤيدة في أوروبا أصبح أقل ترجيحا نتيجة للعمل العسكري للتحالف، وتقوية حماية الحدود الأوروبية، وتفكيك خلايا داخلية، لكنه شدد على أن “تاريخ الإرهاب الإسلاموي يخضع لدورات” ويدعو إلى عدم الاستهتار بالموضوع.
وأشار لِرنر إلى أن ثلاث مناطق تشد انتباه الأجهزة حاليا: سوريا، المنطقة الأفغانو-باكستانية، والمسرح الإفريقي، محذرا من خطورة استقرار جماعات إرهابية هناك وتحولها إلى “ملاذات” تسمح بتصدير عمليات إلى أوروبا. وأضاف أن التهديد الداخلي يتجلى حاليا في شكلين؛ الأول “مفعل” تقوده فروع مثل “الدولة الإسلامية في خراسان” (ISKP) التي نفذت هجمات مثل استهداف كروكوس سيتي هول في موسكو، والثاني “ملهم” يضم أفرادا متطرفين يتغذون على دعاية قديمة أو متداولة على منصات مغلقة، مع ارتفاع مقلق في ملفات القاصرين المتورطين، حيث تُحال أكثر من خمسة عشر حالة قاصر إلى التحقيق سنويا، وهو رقم غير مسبوق بحسب لِرنر.
في الرد على سؤال حول قدرة منظومة مكافحة الإرهاب الفرنسية على مواجهة التهديد اليوم مقارنة بعام 2015، اعتبر لِرنر أن الأجهزة تملك اليوم أدوات أقوى وقد عززت الموارد البشرية والمالية، مستهجنا أن البلاد لا تزال تحتاج إلى تكييفات مستمرة؛ فقد تم تعزيز الـDGSE بأكثر من ألف عنصر وزيادة في الميزانية، وتم سنّ إطار قانوني خاص عام 2017 وتوحيد الجهود تحت قيادة الـDGSI ومنسق وطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، الذي يسهل تبادل المعلومات بين الأجهزة بشكل يومي وسلس لم يكن مألوفا سابقا.
وتطرق لِرنر إلى تحول نمط التنظيمات الإرهابية من هياكل مركزية بين 2013 و2018 إلى شبكات متفرقة وحوامل مشاريع معزولة، ما يجعل كشفها أصعب، خصوصا عندما يحدث تطرف سريع عبر الإنترنت. وقال إن دور الـDGSE يكمن في محاولة اختراق هذه الشبكات وكشف المشاريع في مراحلها الأولى بالتنسيق الدائم مع الـDGSI لتمكين تعطيلها قبل التنفيذ.
وتطرق رئيس الـDGSE أيضا إلى أثر حرب إسرائيل وحزب التحرر/حماس في 7 أكتوبر 2023، معتبرا أن هذا الحدث مثل نقطة انعطاف تم استثمارها دعائيا من قبل تنظيمات كداعش والقاعدة لاستقطاب أجيال شابة كانت أقل انجذابا للأيديولوجيا الجهادية بعد هزائم التنظيمات الإقليمية، مما أعاد تنشيط جمهورها وشبابها ودفع الأجهزة إلى تعديل استراتيجياتها لمواجهة هذا التجدد الدعائي.
وحذّر لِرنر من أن أفريقيا لا تزال “مسرحا محوريا” للجهاد العالمي، مشددا على أن معظم هجمات الجهاديين تُسجل في هذه القارة حيث يموت معظم ضحايا الإرهاب العقائدي؛ وبين أن الجماعات في الساحل وبحيرة تشاد ونيجيريا ومنطقة البحيرات الكبرى وقرن أفريقيا تمثل تهديدا يوميا للمدنيين واستقرار الدول، وأن الجماعات المحلية تتولى اليوم أدوارا قيادية داخل هياكل أوسع كان يهيمن عليها سابقا عناصر من سوريا أو العراق أو دول الخليج. وأكد أن فرنسا تتابع هذه التحركات وتعمل مع شركائها الإقليميين، لا سيما الأجهزة المغربية، لمواجهة تنقلات الجهاديين ومخاطر تشكل خلافات إقليمية.
وبخصوص ملف العلاقات الاستخباراتية مع الجزائر، قال لِرنر إن قنوات التعاون تضررت خلال الأزمة السياسية، لكنه شدد على أن حفظ “قناة تبادل دنيا” ضرورة أمنية وأن إشارات من الجانب الجزائري تُظهر رغبة في إعادة الانفتاح، وأن من مصلحة البلدين إعادة تنشيط الحوار الاستخباراتي دون التنازل عن المطالب الدبلوماسية والسياسية المعروفة.
وبخصوص سوريا، أعرب لِرنر عن قلقه من احتمال تجدد نشاط “الدولة الإسلامية” مع أي فراغ أمني، لكنه أشار إلى خطوات تُبذل لدعم الاستقرار، بما في ذلك انضمام سوريا رسميا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في 10 نونبر، وقيام دول غربية بدعم السلطات المحلية وعمليات ضرب استهدفته في بعض المناطق، معتبرا أن هذا الدعم ضروري لمنع استغلال حرية الحركة داخل البلاد لانتعاش التنظيمات.
كما عالج لِرنر ظاهرة العودة ومحاكمات الفرنسيين المتورطين في القتال سابقا، موضحا أن من بقوا على الأرض يتوزعون بين مجموعة صغيرة في الشمال الغربي تراقبها السلطات ومجموعة محتجزة في الشمال الشرقي؛ وأشار إلى عمليات إعادة ترحيل نساء مع أطفالهن إلى فرنسا وقرارات قضائية في العراق بحق بعض المقاتلين الفرنسيين. أما القضايا الإنسانية والأمنية المرتبطة بهذه الملفات فتبقى مدار متابعة دقيقة مع السلطات المحلية والشركاء الإقليميين.
وفي موضوع التدخلات الخارجية وعمليات التضليل، قال لِرنر إن فرنسا ليست في حرب مع روسيا لكنها تواجه “عدائية متزايدة” عبر مجالات سيبرانية ومعلوماتية، وأن الأجهزة الروسية عدلت أدواتها بالاعتماد على وكلاء ــ ما يزيد صعوبة الكشف. وأشاد بنموذج “فيجينوم” لفضح أساليب التدخل وبالدور الذي تلعبه الـDGSE في تحديد الجهات الفاعلة، مؤكدا أن الرد يتطلب كشفا فنيا وعلنيا لأدلة التدخل وتحسيسا شعبيا ومسؤولية أكبر من المنصات الرقمية في تنظيم المحتوى.
وأقر لِرنر بأن العمليات العدائية على أراضي أوروبا قد ترتقي إلى أعمال عنف خطيرة أحيانا، وأن على الأجهزة أن تظل يقظة لدرء ما وصفه بمخاطر قد تقترب من “إرهاب دولي” أو نشاطات دولة تستهدف استقرار الديمقراطيات، داعيا إلى الاستعداد لسيناريوهات متعددة تتراوح بين المواجهة الهجينة واحتمال صدام عسكري، معتبرا أن لا أحد يستطيع الجزم بما سيقدم عليه القادة الدوليون على مدى سنوات بعيدة.
واختتم لِرنر حديثه بالإشارة إلى دور جهازه في جهود الإفراج عن محتجزين فرنسيين في الخارج، مشيدا بـ”فريق فرنسا” الذي عمل عبر قنوات دبلوماسية واستخباراتية للحفاظ على خطوط اتصال حتى في أوقات التوتر، وأعرب عن أمله في عودة السجناء إلى التراب الوطني في أسرع وقت ممكن، مع الاعتراف بأن بعض التقدمات كانت ثمرة حوار وتنسيق مشترك بين مختلف السلطات.





